الخميس، 28 مايو 2015

محمّد صلى الله عليه وآله وسلم حبيب المؤمنين

محمّد صلى الله عليه وآله وسلم حبيب المؤمنين


‬يقول الله تعالى في محكم كتابه: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾1


تمهيد


ورد في سبب النزول أنّه ادعى جمع من الحاضرين في مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّهم يحبّون الله، مع أنّ العمل بتعاليم الله كان أقلّ ظهوراً في أعمالهم. فنزلت هاتان الآيتان بشأنهم2.

تقول الآية أنّ الحبّ لا يكون بالارتباط والميل القلبيّ فحسب، بل يجب أن تظهر آثاره في عمل الإنسان. فإنّ دعوى الحبّ لله إذا كانت صادقة ينبغي أن تظهر وتتجلّى في أعمال الشخص الّذي يدّعيه، هل يتبع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم حقّاً أم لا: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي﴾3.

فإنّ من آثار الحبّ واقعاً ميل وانجذاب المحبّ نحو المحبوب، في أقواله وأفعاله وأعماله، بحيث يستجيب المحبّ للمحبوب في كلّ أوامره ونواهيه، وإلّا لو كان المحبّ للمحبوب عاصياً ومتمرّداً، فهذه علامة على أنّ حبّه غير حقيقيّ بل ادعائيّ لا يتجاوز لسانه.

وهذا ليس خاصّاً بمن نزلت فيهم الآيتان، بل يعمّ جميع العصور والشعوب، فإنّ الذّين يدّعون محبّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام والمجاهدين والشهداء والصالحين والمتّقين, ولكنّ أعمالهم أبعد ما تكون عن مشابهة أولئك, هم كاذبون.

ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "ما أحبّ الله عزّ وجلّ من عصاه".

ثمّ قرأ الأبيات:
تعصي الإله وأنت تظهر حبّه                  هذا لعمرك في الفعال بديع
لو كان حبّك صادقاً لأطعته                    إنّ المحبّ لمن يحبّ مطيع4

إذا كنّا حقّاً نحبّ الله بحيث ظهرت آثار ذلك الحبّ في أعمالنا وأخلاقنا، من خلال اتباع من فرض الله طاعته: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي﴾5، فإنّ الله تعالى سيحبّنا أيضاً بالمقابل: ﴿يُحْبِبْكُمُ اللّهُ﴾6، وسوف تظهر آثار حبّه لنا من خلال غفران الذنوب، وشمولنا برحمته الّتي وسعت كلّ شيء: ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾7، وهذا معنى شفاعة نبيّنا صلى الله عليه وآله وسلم.

فما هو معنى الحبّ؟

معنى الحبّ

فالحبّ: هو الوداد والمحبّة8 والميل الشديد، ويُقابله البغض والتنفّر. والتحبّب هو إظهار الودّ والحبّ.

فالحبّ: هو الميل القلبيّ والباطنيّ نحو المحبوب، فلا يكون الشيء محبوباً إلاّ إذا

مالت النفس إليه. وهذا الميل ذو درجات ومراتب، فإذا قوي هذا الميل واشتدّ سُمّي عشقاً9.

أي أنّ الحبّ هو تعلّق خاصّ وانجذاب مخصوص شعوريّ بين الإنسان وبين كماله10.

فمحبّة العبد لله تعالى لِما أنّ الذّات الإلهيّة هي الكمال المطلق غير المتناهي، والإنسان مفطور على حبّ الكمال والميل نحو كماله المطلق، ولا يرضى بكمال محدود حتّى يطلب كمالاً آخر أشدّ وجوداً وأكثر كمالاً.

وأما محبّة الله عبده فلِما أنّ الذات تحبّ آثارها، وصاحب الكمالات والأسماء الحسنى يحبّ مظاهر كماله وتجلّيات أسمائه، وكلّما كان الأثر أكثر دلالةً على ذي الأثر، والمظاهر على الكامل المطلق، اشتدّ الحبّ، والأثر لا يكون أكثر دلالةً على الذات إلّا
بالطاعة والفناء بها، وكذا المظاهر والتجلّيات لا يشتدّ تجلّيها وظهورها إلّا بالقرب من المتجلّي والظاهر. فأحبّ الموجودات إلى الله تعالى هو أقربهم إليه من حيث الكمال والمظهريّة والتجلّي، وهو النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.

درجات الحبّ

لمّا كان الحبّ عبارة عن تعلّق وجوديّ بين المحبّ والمحبوب، فهو يسري في جميع الموجودات، وهو من المفاهيم المشكّكة أي له مراتب متفاوتة من حيث الشدّة والضعف والدرجة والمرتبة، لذا مراتب الحبّ عديدة ويمكن ذكر بعضها:
الدرجة الأولى: وهي ادعاء الحبّ على مستوى اللسان. وهذا ليس حبّاً حقيقيّاً، وليس درجة أو مرتبة حقيقيّة.

الدرجة الثانية: وهي الحبّ بمعنى التعلّق القلبي والميل النفسيّ، وهذا قد يكون منشؤه العصبيّة والشعور بالانتماء، وليس هذا هو الحبّ المطلوب.

الدرجة الثالثة: الحبّ القلبيّ الحقيقيّ، بحيث يسري الحبّ من القلب إلى سائر الجوارح، فتظهر آثار هذا الحبّ في عمل الإنسان وأخلاقه وسيرته، وهذا هو الحبّ المطلوب.

وقد يشتدّ هذا الحبّ من خلال المتابعة والالتزام بالتعاليم النبويّة، حتّى يصير المحبوب مقدمّاً على الأولاد والعشيرة والممتلكات والتجارات وغير ذلك، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ﴾11، وقال تعالى: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾12.


حب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بالعمل بأخلاقه

لما كان النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم حبيب الله تعالى, فكلّ من يدّعي المحبّة لله لزمه حبّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم واتباعه -كما سبق, ومحبّته إنّما تكون بمتابعته وسلوك سبيله, قولاً وعملاً وخُلُقاً وسيرةً وعقيدةً، ولا تصدق دعوى المحبّة إلّا بهذا, فمن لم يكن له من أخلاقه وسيرته‏ صلى الله عليه وآله وسلم نصيب، لم يكن له من المحبّة نصيب، وإذا تابعه حقّ المتابعة ناسب باطنه وسرّه وقلبه ونفسه باطن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وسرّه وقلبه ونفسه.


من تجلّيات الحبّ لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

إنّش لحبّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تجلّيات وعلامات عدّة، منها:

1- طاعة الله والعمل الصالح الموصل لمحبّة الله
يقول الله تعالى: ﴿قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾13.

أي ما دمتم تدّعون الحبّ لله, إذاً اتبعوا أمر الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم, وإن لم تفعلوا فلستم تحبّون الله, والله لا يحبّ هؤلاء ﴿فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾14.

ويستفاد من الآية أنّ إطاعة الله وإطاعة رسوله لا تنفصلان, وأن إطاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هي إطاعة الله, وإطاعة الله هي إطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ولطاعة الله والرسول صلى الله عليه وآله وسلم آثار عديدة، منها:
أ- دخول الجنّة، قال تعالى: ﴿وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾15.

ب- مرافقة النبيّين عليهم السلام والصدّيقين والشهداء، قال تعالى: ﴿وَمَن يُطِعِ اللّهَ﴾.

ج- الفوز، قال تعالى: ﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾16.

2- العمل بتعاليم وآداب الإسلام
فإنّ من علامة المحبّ العمل بما يحبّه محبوبه ويقرّبه منه، روى جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال لي: "يا جابر أيكتفي من ينتحل التشيّع أن يقول بحبّنا أهل البيت، فوالله ما شيعتنا إلّا من اتقى الله وأطاعه، وما كانوا يعرفون يا جابر إلّا بالتواضع والتخشّع والأمانة، وكثرة ذكر الله والصوم والصلاة والبر بالوالدين، والتعاهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والأيتام، وصدق الحديث وتلاوة القرآن، وكفّ الألسن عن الناس إلّا من خير، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء".

قال جابر: فقلت: يا ابن رسول الله ما نعرف اليوم أحداً بهذه الصفة، فقال: "يا جابر لا تذهبنّ بك المذاهب حسب الرجل أن يقول: أحبّ عليّاً وأتولاه ثمّ لا يكون مع ذلك فعّالاً؟ فلو قال: إنّي أحبّ رسول الله، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيرٌ من عليّ عليه السلام ، ثمّ لا يتّبع سيرته ولا يعمل بسنّته، ما نفعه حبّه إيّاه شيئاً، فاتقوا الله واعملوا لما عند الله، ليس بين الله وبين أحد قرابة، أحبّ العباد إلى الله عزّ وجلّ (وأكرمهم عليه) أتقاهم وأعملهم بطاعته، يا جابر والله ما يتقرّب إلى الله تبارك وتعالى إلّا بالطاعة وما معنا براءة من النار ولا على الله لأحد من حجّة، من كان لله مطيعاً فهو لنا وليّ، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدوّ، وما تنال ولايتنا إلّا بالعمل والورع"17.

يقول الإمام الخميني قدس سره: "إنّ ادعاء المحبّة من دون دليل وبيّنة لا يكون مقبولاً، إذ لا يمكن أن أكون صديقك وأضمر لك الحبّ والإخلاص، ثمّ أقوم بكلّ ما هو مناقض لرغباتك وأهدافك. إنّ شجرة المحبّة تنتج وتثمر في الإنسان المحبّ، والعمل حسب درجة المحبّة ومستواها. فإذا لم تحمل تلك الشجرة هذه الثمرة فلا بدّ من معرفة أنّها لم تكن محبّة حقيقيّة، وإنّما هي محبّة وهميّة.. فمحبّ أهل البيت عليهم السلام هو الّذي يشاركهم في أهدافهم، ويعمل على ضوء أخبارهم وآثارهم... وإنّ المؤمن إذا لم يعمل بمتطلّبات الإيمان وما تستدعيه محبّة الله وأوليائه، لما كان مؤمناً ومحبّاً، وإنّ هذا الإيمان الشكليّ والمحبّة الجوفاء من دون جوهر ومضمون"18.

3- زيارة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
لا يخفى على أحد ما للزيارة من ترسيخ علاقة أو ارتباط وتعلّق بمن نزوره، فكيف لو كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فإنّه الوسيلة إلى الله والشعيرة الّتي أُمرنا بتعظيمها: ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾19.

وقد ورد في فضل وثواب زيارة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم روايات عدّة، منها ما عن الإمام الرضا عليه السلام: يا أبا الصلت إنّ الله فضّل نبيّه محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم على جميع خلقه من النبيّين والملائكة، وجعل طاعته طاعته، ومتابعته متابعته، وزيارته في الدنيا والآخرة زيارته، فقال: ﴿مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ﴾20، وعن: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ﴾21، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من زارني في حياتي أو بعد موتي فقد زار الله"22.

وعن الإمام أبي عبد الله عليه السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من أتاني زائراً كنت شفيعه يوم القيامة"23.

وعن الإمام أبي عبد الله عليه السلام قال: "بينا الحسين بن عليّ في حجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ رفع رأسه فقال: يا أبه ما لمن زارك بعد موتك؟ فقال: يا بنيّ من أتاني زائراً بعد موتي فله الجنّة، ومن أتى أباك زائراً بعد موته فله الجنّة، ومن أتى أخاك زائراً بعد موته فله الجنّة. ومن أتاك زائراً بعد موتك فله الجنّة"24.

عن الإمام محمّد بن عليّ بن الحسين عليهم السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من زارني أو زار أحداً من ذريّتي زرته يوم القيامة فأنقذته من أهوالها"25.

4- دفع الأذى عنه صلى الله عليه وآله وسلم
يقول صلى الله عليه وآله وسلم: "ما أوذي نبيّ مثل ما أوذيت"26.

فقد نال صلى الله عليه وآله وسلم من أمّته- أعمّ من كفّارهم ومؤمنيهم ومنافقيهم- من المصائب والمحن وأنواع الزجر والأذى ما ليس في وسع أحد أن يتحمّله إلّا نفسه الشريفة27.

وهو - أرواحنا فداه - ما زال يتمّ توجيه الأذى والإساءة إليه حتّى بعد رحيله صلى الله عليه وآله وسلم ، كما في زماننا هذا، سواء من قبل أعدائه أم من قبل بعض ممّن يدّعون اتباعه ومحبّته.

وكذلك ما نال عترته صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته بعد ارتحاله من قتل وظلم وجور.

فمن كان يدّعي الاتباع والمحبّة للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لا ينبغي أن يظلم ويكفّر غيره من المسلمين باسم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم الّذي قال الله عنه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾28، وعلى المسلمين منع إساءة المنكرين لنبوّته صلى الله عليه وآله وسلم ، فكيف يقومون هم بالإساءة؟!


من آثار اتباع ومحبّة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

1- محبّة الله
النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم هو مظهر المحبّة الإلهيّة، فيلزم أن يكون للمتابع والمطيع للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قسط من محبّة الله تعالى بقدر نصيبه من المتابعة والطاعة، فيلقي اللّه تعالى محبّته عليه بواسطة محبّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فيصير محبوباً لله، ومحبّاً له، ولو لم يتابع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بل خالفه، ابتعد عن وصف المحبوبيّة وزالت المحبّة عن قلبه، إذ لو لم يحبّه اللّه تعالى لم يكن محبّاً له، فيقع في الكفر: ﴿فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾29.

عن الإمام الصادق عليه السلام: "من سرّه أن يعلم أنّ الله يحبّه فليعمل بطاعة الله وليتّبعنا، ألم يسمع قول الله عزّ وجلّ لنبيّه صلى الله عليه وآله وسلم ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾30؟، والله لا يطيع الله عبد أبداً إلّا أدخل الله عليه في طاعته اتباعنا، ولا والله لا يتبعنا عبد أبداً إلّا أحبّه الله، ولا والله لا يدع أحد اتباعنا أبداً إلّا أبغضنا، ولا والله لا يبغضنا أحد أبداً إلّا عصى الله، ومن مات عاصياً لله أخزاه الله وأكبّه على وجهه في النار"31.

وعنه عليه السلام:" فمن أحبّ الله أحبّه الله عزّ وجلّ، ومن أحبّه الله عزّ وجلّ كان من الآمنين"32.

2- غفران الذنوب
قال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾33.

إذا أحبّ الله عبداً غفر له ذنوبه وشملته رحمته، لأنّ محبّة الله عبده رضاه عنه، وهو سبب لغفران ذنوبه وكمال فوزه بالسعادة العظمى وكمال نور إيمانه ووجوب الجنّة له، فإذاً من آثار محبّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم غفران الذنوب.

عن الإمام أبي جعفر عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام - في خطبة له - قال: "وقال في محكم كتابه: ﴿مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾34 فقرن طاعته بطاعته، ومعصيته بمعصيته، فكان ذلك دليلاً على ما فوّض إليه، وشاهداً له على من اتبعه وعصاه. وبيّن ذلك في غير موضع من الكتاب العظيم، فقال تبارك وتعالى في التحريض على اتباعه، والترغيب في تصديقه والقبول لدعوته: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾35 فاتباعه صلى الله عليه وآله وسلم محبّة الله، ورضاه غفران الذنوب وكمال الفوز ووجوب الجنّة، وفي التولي عنه والإعراض محادّة الله وغضبه وسخطه. والبعد منه سكن النار، وذلك قوله تعالى: ﴿وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ﴾36 يعني الجحود به والعصيان له"37.

3- الشفاعة
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أُعطيت خمساً لم يعطها أحد قبلي: جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، ونصرت بالرعب، وأحلّ لي المغنم، وأعطيت جوامع الكلم، وأعطيت الشفاعة"38.

وسُئل الإمام أبو عبد الله عليه السلام عن شفاعة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة، قال: "يلجم الناس يوم القيامة العرق فيقولون: انطلقوا بنا إلى آدم يشفع لنا عند ربّه، فيأتون آدم فيقولون: اشفع لنا عند ربّك، فيقول: إنّ لي ذنباً وخطيئة فعليكم بنوح، فيأتون نوحاً فيردّهم إلى من يليه، ويردّهم كلّ نبيّ إلى من يليه حتّى ينتهون إلى عيسى فيقول: عليكم بمحمّد رسول الله فيعرضون أنفسهم عليه ويسألونه فيقول: انطلقوا، فينطلق بهم إلى باب الجنّة، ويستقبل باب الرحمن ويخرّ ساجداً فيمكث ما شاء الله فيقول الله عزّ وجلّ: ارفع رأسك واشفع تُشفع وسل تُعط، وذلك قوله: ﴿عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا﴾39"40.

وعن الإمام عليّ بن موسى الرضا، عن آبائه عليهم السلام ، عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أربعة أنالهم شفيع يوم القيامة: المكرم لذرّيّتي، والقاضي لهم حوائجهم، والساعي في أمورهم ما اضطرّوا إليه، والمحبّ لهم بقلبه ولسانه عندما اضطرّوا"41.


* كتاب إلا رحمة للعالمين، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- سورة آل عمران، الآية:31.
2- الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل, الشيخ ناصر مكارم الشيرازي, ج2، ص 468.
3- سورة آل عمران، الآية:31.
4- البرهان في تفسير القرآن، السيد هاشم البحراني، ج 1، ص611.
5- سورة آل عمران، الآية:31.
6- سورة آل عمران، الآية:31.
7- سورة آل عمران، الآية:31.
8- لسان العرب لابن منظور، ج 1، ص 289.
9- مـجمع البحرين للشيخ فخر الدين الطريحي، ج1، ص 442.
10- تفسير الميزان، العلامة الطباطبائي، ج1، ص 410.
11- سورة البقرة، الآية: 165.
12- سورة المجادلة، الآية: 22.
13- سورة آل عمران، الآية:32.
14- سورة آل عمران، الآية:32.
15- سورة النساء، الآية:13.
16- سورة النور، الآية: 52.
17- الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص75.
18- الأربعون حديثاً، الإمام الخمينيّ قدس سره، ص 512.
19- سورة الحجّ، الآية: 32.
20- سورة النساء، الآية: 80.
21- سورة الفتح، الآية: 10.
22- وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج14، ص 325.
23- م.ن، ج14، ص 333.
24- م. ن، ج14، ص 329.
25- م. ن، ج14، ص 332.
26- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج39، ص 56.
27- تفسير الميزان، العلامة الطباطبائي، ج6، ص 53.
28- سورة الأنبياء، الآية: 107.
29- سورة آل عمران، الآية:32.
30- سورة آل عمران، الآية:31.
31- الكافي، الشيخ الكليني، ج8، ص 14.
32- الخصال، الشيخ الصدوق، ص188.
33- سورة البقرة، الآية: 222.
34- سورة النساء، الآية: 80.
35- سورة آل عمران، الآية:31.
36- سورة هود، الآية: 17.
37- البرهان في تفسير القرآن، السيد هاشم البحراني، ج 3، ص96.
38- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج8، ص 38.
39- سورة الإسراء، الآية: 79.
40- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج8، ص 35.
41- م.ن، ج8، ص 49.

هدفية الخلق

هدفية الخلق


يقول الله تعالى في محكم كتابه:

1- ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِين﴾(الأنبياء:16)"

2- ﴿ َيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾(آل عمران:191)

3- ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾(المؤمنون:115)

الكون مخلوق بحكمة ولهدف

إنّ من الضروري للمسلم أن يعرف أنّ هذا الكون لم يُخلق عبثاً ولهواً ولعباً بعيداً عن الحكمة، وهذا ظنُّ الّذين كفروا من الملحدين المادّيين، الّذين لا يعترفون بهدف للخلق؛ لأنّهم يعتقدون أنّ الطبيعة الفاقدة للعقل والشعور والهدف هي الّتي ابتدأت الخلق، بصدفة عمياء، ولهذا فإنّهم يؤيّدون اللغويّة وعدم الفائدة في مجموعة الوجود.

فليس غريباً مع هذه النظرة العبثيّة أن يكون الغرب المادّيّ ـ الّذي لا إيمان له بوجود هدف وغاية من الخلق ـ مجتمعاً عبثيّاً لا همّ له إلّا الأكل والشرب واللهو واللعب واللغو والغناء والملذّات وإضاعة الوقت في الأمور غير المفيدة.

وهذه النظرة ليست جديدة بل لها جذور تاريخيّة، وقد كانت الجاهليّة الأولى تؤمن بهذه العبثيّة، يقول تعالى: ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَ الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَ يَظُنُّونَ﴾1 .

نظرة الإسلام إلى الخلق

أمّا نظرة الإسلام إلى الخلق فهي ظاهرة من قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاَتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾2.

وقوله سبحانه: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ﴾3.

وقوله تعالى: ﴿أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى﴾4.

فما هو الهدف إذن من الخلق؟

الهدف من الخلق لا يعود إلى الخالق تعالى، فهو غنيٌّ عن خلقه، وإنّما يعود إلينا نحن المخلوقين الناقصين.

يُمكن القول إنّ الهدف من خلقنا هو تكاملنا وارتقاؤنا وذلك يحصل بمعرفتنا لخالقنا وبعبادته أي طاعته.

فبطاعته نتكامل ونسلك طريق الحكمة، وبعصيانه نتسافل إلى الحيوانيّة والشهوانيّة واللغويّة واللاهدفيّة.

يقول تعالى مشيراً إلى غاية خلق الإنسان: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَ لِيَعْبُدُونِ﴾5.

﴿اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْم﴾6.

﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾7.

لغو الكفّار ولهوهم

وحيث كان الكفّار ينظرون إلى الدنيا نظرة عابثة لاغية لاهية انعكس ذلك على سلوكهم، فإنّهم يأخذون الأمور حتّى المهمّة منها ـ كمسألة الدّين المصيريّة ـ مأخذاً لهويّاً، يقول سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَعْقِلُونَ﴾8.

نُلاحظ في هذه الآيات أنّ الكافرين يتعاملون مع الدّين وهو مسألة مهمّة وخطيرة، لأنّه يمثِّل مصير الإنسان باستهزاء ولعب.

والهزو: هو الكلام المصحوب بحركات تُصوّر السخرية، ويُستخدم للاستخفاف والاستهانة.

واللعب: هو الّذي يصدر عبثاً وبدون هدف صحيح، أو خالياً من أيِّ هدف، وسُمّيت بعض أفعال الصبيان لعباً لنفس السبب.

يُنقل عن أبي جهل ـ رأس الكفر زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ أنّه كان يقف على قريش ويقول: أتُريدون أن أُطعمكم من الزّقوم الّذي يتهدّدنا به محمّد؟ ثمّ يبعث فيحضرون الزبد والتمر، فكان يقول: هذا هو الزّقوم، وبهذا الأسلوب كان يستهزأ بآيات الله، ويستهين بأمور الدّين الخطيرة.

يُروى عن لقمان الحكيم: "...وللغافل ثلاث علامات السهو، واللهو،والنسيان"9.

ويُروى عنه محذّراً ابنه من مجالس اللهو وطالباً مجالسة أهل الحكمة والذكر: "اختر المجالس على عينك، فإن رأيت قوماً يذكرون الله فاجلس معهم، فإن تكن عالماً ينفعك علمك، وإن تكن جاهلاً علّموك، ولعلّ الله تعالى أن يظلّهم برحمة فيعمّك معهم"10.

تصحيح رؤية الكفّار وتنبيه المؤمنين

ومن أجل أن يحوِّل القرآن أفكار الكفّار العبثيّة اللاغية من أفق هذه الحياة المحدودة إلى عالم أوسع، يُبيّن لهم حقيقة الحياة الدنيا بالنسبة إلى الحياة الآخرة الّتي لا يؤمنون بها، يقول سبحانه: ﴿وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾11.

ومعنى اللهو: كلّ عمل يصرف الإنسان عن مسائل الحياة الأساسيّة. أمّا اللعب: فيطلق على الأعمال الّتي فيها نوع من النظم الخياليّ، والهدف الخياليّ، ففي اللعب مثلاً يكون أحد اللاعبين ملكاً، والآخر وزيراً، والثالث قائداً للجيش، والرابع سارقاً، وبعد انتهاء اللعب المؤقّت يعود كلُّ شيء إلى مكانته.

ولا تنسَ نصيبك من الدنيا

ما مرّ من كلام قد يوحي لبعض الناس بأنّ حياة المؤمن قاتمة، سوداء، جادّة إلى أبعد الحدود، لا ترفيه، لا لعب، لا تسلية، لا سياحة، بل فقط عليه أن ينظر إلى ما وراء الدنيا، إلى الموت والقبر والقيامة والآخرة، ويترك الدنيا لأهلها ومحبّيها...

في الحقيقة ليس الأمر كذلك، فالإسلام دين يُحاكي فطرة الإنسان وطبيعته، ويُعطي لكلِّ شيء حقّه، فالإنسان ليس ملكاً من الملائكة بل فيه جنبة مادّيّة لا بدّ من مراعاتها، وإلّا إذا لم تُراعَ أدّت إلى ردّة فعل عكسيّة.

وقد ورد عن الإمام عليّ عليه السلام: "روّحوا قلوبكم فإنّها إذا أُكرهت عميت"12.

وروي عنه أيضاً: "إنّ للقلوب شهوة وكراهة وإقبالاً وإدباراً فأتوها من إقبالها وشهوتها فإنّ القلب إذا أُكره عمي"13.

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ينبغي للعاقل إذا كان عاقلاً أن يكون له أربع ساعات من النهار: ساعة يُناجي فيها ربّه، وساعة يُحاسب فيها نفسه، وساعة يأتي أهل العلم الّذين يُبصّرونه في أمر دينه وينصحونه، وساعة يُخلّي بين نفسه ولذّتها من أمر الدنيا فيما يحلّ ويحمد"14.

هذا وقد شاهدنا وسمعنا عن أناس كانوا ملتزمين بالإيمان إلّا أنّهم انقلبوا على أعقابهم، لأنّهم فهموا الدِّين أو أُفهموه بشكل قاتم سلبيّ، ممّا أدّى إلى ردّة فعل عكسيّة، فتركوا الالتزام والعمل الصالح.

اللهو الهادف

لقد مرّت معكم آيات عديدة تذمّ حالة اللهو اللاغي، وإليكم بعض الأحاديث الّتي تذمّ هذه الحالة الّتي تُنسي الإنسان مسؤوليّاته الجادّة، فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "اللهو من ثمار الجهل"15. وعنه عليه السلام: "المؤمن يعاف اللهو ويألف الجدّ"16 "لا يُفلح من وَلِه باللعب واستهتر باللهو والطرب"17.

وفي المقابل هناك أحاديث تُشير إلى نماذج من اللهو الهادف الّذي يُرفِّه الإنسان المؤمن به عن نفسه، وإليكم بعضها.

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "عليكم بالرمي فإنّه خير لهوكم"18.

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من ترك الرمي بعدما علمه رغبة عنه فإنّها نعمة كفرها"19.

إذن على الإنسان المؤمن أن يكون جادّاً حكيماً في الحياة، ولكن لا يعني ذلك ترك الدنيا وإعمارِها وبنائِها.

وننهي كلامنا بدعاءٍ للإمام زين العابدين عليه السلام: "إلهي أشكو إليك نفساً بالسوء أمّارة، وإلى الخطيئة مبادرة، وبمعاصيك مولعة...، كثيرة العلل، طويلة الأمل، إن مسّها الشرُّ تجزع، وإن مسّها الخير تمنع، ميّالة إلى اللعب واللهو، مملوءة بالغفلة والسهو... "20.
1- سورة الجاثية، الآية: 24.
2- سورة الأنبياء، الآيات: 16ـ 17ـ 18.
3- سورة المؤمنون، الآية: 115.
4- سورة القيامة، الآية: 36.
5- سورة الذاريات، الآية: 56.
6- سورة الطلاق، الآية: 12.
7- سورة الملك، الآية: 2.
8- سورة المائدة، الآيتان: 57ـ 58.
9- بحار الأنوار، ج 13، ص 415، كتاب النبوّة، ح 8.
10-الكافي، ج1، ص39، ح1.
11-سورة العنكبوت، الآية: 64.
12-عوالي اللآلي، ج 3، ص 111.
13- غرر الحكم، ج 1، ص 24.
14- بحار الأنوار، ج 1، ص 131.
15- غرر الحكم، ج 1، ص 314.
16- م. ن، ج 1، ص 314.
17- م. ن، ج 1، ص 314.
18- ميزان الحكمة، ج 4، ص 124.
19-م. ن، ج 4، ص 1120.
20-الصحيفة السجاديّة، مناجاة الشاكين.

التربية الجنسيّة للأبناء

التربية الجنسيّة للأبناء
((تربية الأبناء))
إنّ الميل الجنسيّ غريزةٌ غرستها يد الخالق في وجود الإنسان؛ لضمان بقاء النسل. وهذا الميل يكون ضامراً في مرحلة الطفولة، ويظهر تدريجياً في حياة الإنسان؛ ليبلغ أوجه في مرحلة المراهقة. والأطفال لا يخلون من الميل الجنسيّ، وهم يحتاجون في هذا المجال إلى التربية والمراقبة الجدّيّة.

فالغريزة الجنسيّة تُعدّ واحدة من أقوى الغرائز الحيويّة لدى الإنسان، وتتّسم هذه الغريزة المودعة في النفس الإنسانيّة منذ الولادة بحالة من الهدوء والسكينة حتى بلوغ سنّ المراهقة. ولكنّها تبدء بالتفتّح والتفاعل شيئاً فشيئاً مع دخول مرحلة المراهقة، إلى أن تستولي في مقطع من هذه المرحلة على كيان المراهق ومشاعره بالكامل، ليجد نفسه عاجزاً عن مقاومة نوازعها وكبح جماحها. ومع بروز هذه الغريزة، فمن الطبيعي أن يرافقها بعض العقبات والمشاكل. وهنا، تقع على الوالدين مسؤوليّة كبيرة جدّاً في العمل على رفع هذه العوائق التي قد تعترض طريق أبنائهم في هذه المرحلة العمريّة الحسّاسة.

فدور الوالدين مشترك في تربيّة أطفالهما تربيةً جنسيّةً، ولكن أحياناً يكون دور الأمّ مقدّماً بالنسبة إلى البنت، ودور الأب مقدَّماً بالنسبة إلى الابن. وفي هذا المجال تُقدِّم المدرسة التربويّة في الإسلام بعض السبل والطرق للتوعية الجنسيّة وتهذيب الغريزة الجنسيّة.

وفي ما يلي سوف نُقسّم الكلام إلى موردين: الأوّل: في التربية الجنسيّة للأطفال. والثاني: في التربية الجنسيّة للمراهق.


التربية الجنسيّة للأطفال

في مرحلة الطفولة، وقبل سنّ المراهقة تكون الغريزة في حالة كمون وثبات، ولكنّها تعتبر مرحلة مهمّة جدّاً في تشكّل الوعي الجنسيّ لدى الطفل. فهذا الوعي إمّا أن يحصل من الطرق الصحيحة ووفق الأصول والأسس الدينيّة والتربويّة السليمة، وإمّا من خلال طرق غير تربويّة وغير أخلاقية؛ فتكون عواقبها ـ عادة ـ مؤذية ومهلكة ـ أحياناً ـ، خصوصاً على مرحلة المراهقة التي تليها. فمرحلة الطفولة هي مرحلة مفصليّة وتأسيسيّة لما بعدها من المراحل اللاحقة. من هنا، على الأهل أن يتقيّدوا بمجموعة من التوجيهات والتعاليم الدينيّة والتربويّة؛ لتفادي الوقوع في المحذور. من هذه الأمور التي ينبغي مراعاتها والإلفات إليها:

1. الحياء:

ينبغي للأمّ والأب أن يُراعيا في شؤون الحياة العائليّة كافّة أصل "الحياء"، وأن يُهيّئا البيئة المناسبة لتربية أولادهما تربية صحيحة وإسلامية من خلال المحافظة على الحياء في المحيط العائليّ، حيث تُراعي الأمّ اللباس الإسلاميّ في حدّه المعقول أمام الأولاد أو أمام محارمهم من إخوتهنّ أو آبائهنّ؛ من أجل إزالة أيّ نوعٍ من العوامل الممهّدة للخطأ والانحراف بين الأبناء. فاللباس غير المناسب والمنافي لآداب الحشمة والستر والمثير للشهوة يستلزم النضوج المبكّر للميول الجنسيّة عند الطفل. حتى أنّه لا ينبغي للأب أن يرتدي لباساً غير مناسب في البيت أو أن يُبقيَ أجزاءً من جسمه عارية كذلك.

2. عدم استخدام الألفاظ البذيئة:

على الوالدين أن يُراعيا في كلامهما الأدب واللياقة وحسن الأخلاق، وأن يتجنّبا استخدام ألفاظٍ وكلمات تشير بأيّ نحو إلى مسائل تتعلّق بالجنس، وأن يمتنعا عن نقل أيّ قصص أو طرائف تتعلّق بالأمور الجنسيّة، ولو عن طريق المزاح واللعب.

3. الفصل بين الفتية والفتيات:

ينبغي الفصل بين الأبناء الذكور والإناث عند الاستحمام، وعلى الأمّ أن لا تساعد ابنها في الاستحمام بعد أن يبلغ الأربع سنوات. وهذا الأمر ينطبق ـ أيضاً ـ على الآباء في ما يتعلّق ببناتهم. لذا على الوالدين أن يعلّما أولادهما من عمر أربع سنوات أن يستحمّوا بأنفسهم. وأن يثابرا على هذا الأمر لمدّة، حتى لا يحتاجون في هذا المجال إلى أهلهم إذا ما بلغوا سنّ التمييز.

كما على الأهل أن يفصلوا فراش الصبيان عن البنات من بعد عمر سبع سنوات. ولا ينبغي للوالدين أن يدعا أولادهما يبيتون معهما في غرفة واحدة من بعد هذه المرحلة العمريّة. روي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال: "فرّقوا بين أولادكم في المضاجع إذا بلغوا سبع سنين"1.

وعنه صلى الله عليه واله وسلم أيضاً: "الصبيّ والصبيّ، والصبيّ والصبيّة، والصبيّة والصبيّة، يفرّق بينهم في المضاجع لعشر سنين"2.

وروي عن الإمام الباقر عليه السلام: "يفرّق بين الغلمان والنساء في المضاجع إذا بلغوا عشر سنين"3.

كلّ هذه الدّقّة في الإسلام؛ لأنّ الميل الجنسيّ عند الإنسان لديه أرضيّة خصبة؛ للتحرّك، والتي إذا ما توفّرت دوافع تحريكه وفورانه، فلن يكون الحدّ من الانحرافات الناجمة عنه عملاً سهلاً يسيراً على الإطلاق.

4. عدم المبيت في فراش واحد بحضور الأبناء:

ينبغي للوالدين أن يُعلّما أبناءهما أن يطرقوا الباب ويستأذنوهما عندما يدخلون عليهما في غرفتهما. وينبغي أن تكون علاقة الأمّ والأب في محضر الأولاد خاليةً تماماً من التلميحات الجنسيّة. ولا ينبغي لهما في محضر الأولاد أن يبيتا في فراشٍ واحد، وإذا لم يكن لديهما غرفة نوم مستقلّة ينبغي لهما أن يستفيدا من فراشين مستقلين. فقد جاء في الروايات الإسلاميّة وصايا تؤكّد ضرورة اجتناب الأب والأمّ ممارسة العلاقة الزوجيّة تحت مرأى الأطفال ومحضرهم.

روي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال: "والذي نفسي بيده لو أنّ رجلاً غشي امرأته وفي البيت صبيٌّ مستيقظ يراهما ويسمع كلامهما ونفسهما؛ ما أفلح أبداً؛ إن كان غلاماً كان زانياً، أو جاريةً كانت زانية"4.

وروي عن الإمام الصادق عليه السلام أيضاً: "لا يُجامع الرجل امرأته ولا جاريته وفي البيت صبيّ؛ فإنّ ذلك ممّا يورث الزنا"5.

وينبغي الالتفات إلى هذه المسألة أكثر في حال لم تكن غرفة نوم الأطفال منفصلة عن غرفة نوم الوالدين. فعدم التفات الوالدين واحتياطهما في مثل هذه الحالات ـ غالباً ـ ما يُنتج مشاكل تربويّة جدّيّة وخطيرة.

5. الحدّ من التماس الجسديّ مع الأطفال:

على الأهل أن لا يدعا الأطفال من سنّ ستّ سنوات وما فوق (خاصّة الأولاد من الجنس المخالف) والذين بلغوا سنَّ التمييز أن يبيتا في فراشهما، وأن تتلاصق أجسامهما شبه العارية بأجساد أولادهما، وإذا أرادت الأمّ لضرورة ما أن تبيّت ابنتها في فراشها، ينبغي لها أن ترتدي لباساً يمنع من التماس الجسديّ المباشر مع ابنتها.

وينبغي للوالدين أن يتجنّبا بشدّة تحسّس ومداعبة الأعضاء الجنسيّة لأولادهم؛ لأنّ لهذا الفعل آثاراً غير ملائمة تبرز في مرحلتي المراهقة والشباب.

وطبقاً للروايات الإسلاميّة، لا ينبغي للرجل الذي هو غير محرم أو الطِّفل الصبيّ أن يُقبّل فتاة الستّ سنوات أو أن يحضنها. والمرأة التي هي غير محرم لا ينبغي لها أن تُقبِّل الصبيّ الذي سنّه سبع سنوات. عن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا بلغت الجارية الحرّة ستّ سنين فلا ينبغي لك أن تقبّلها" 6.

بناءً عليه، ينبغي عند ملاطفة الأطفال الذين بلغوا سنّ التمييز (أي حوالي الستّ سنوات) أو عند التحدّث معهم واحتضانهم مراعاة الحدود والضوابط الشرعيّة الأخلاقيّة.

6. المراقبة الدائمة لعلاقات الأبناء:

لا ينبغي أن تخرج علاقات الأولاد فيما بينهم عن مراقبة الكبار، ولا يصحّ للأمّ أن تترك أولادها بمفردهم. بل يجب مراقبة العلاقات بين الأولاد، وخاصّة بعد عمر الخمس والستّ سنوات، وعمر مرحلة التعليم الأساسيّ. وينبغي إظهار المراقبة الكافية؛ كي لا يقع الأولاد في علاقات مشبوهة وبعيدة عن الأنظار. فإنَّه ـ للأسف ـ، وبسبب سذاجة الأهل وعدم علمهم وخاصّة الأمّهات، يكون الأولاد ـ أحياناً ـ مورد استغلال مِنْ قِبَل مَنْ هم أكبر سنّاً؛ فيحرفونهم، فمن الممكن أن يلوّث ولدٌ واحدٌ منحرف عشرات الأولاد الآخرين ويحرفهم.

على الآباء أن لا يعتبروا أبناءهم مبرّئين عن هذه المسائل وأن لا يغفلوا عن هذا الخطر، بل ينبغي أن يضعوا دائماً في بالهم احتمال أن ينجرّ ابنهنّ غير البالغ إلى هذا النوع من الانحرافات.

فينبغي ـ مثلاً ـ مراقبة الأبناء؛ لكي لا يقيموا بقدر الإمكان صداقات مع المراهقين الذين يفوقونهم عمراً نسبياً. وفي العلاقة مع الأقارب ينبغي ـ أيضاً ـ إظهار المراقبة اللازمة والاطمئنان من صحّة هذه العلاقات وسلامتها.

كما يلزم الحؤول دون تردّد الأولاد إلى منازل الأصدقاء والجيران وحتى الأقارب بعيداً عن مراقبة الأهل الجدّيّة. وهذه المسألة تُعتبر أهمّ بالنسبة للفتيات اللواتي يتضرّرن أكثر في مثل هذه الحالات.

كذلك، ينبغي أن لا تكون علاقات الإخوة والأخوات في البيت الواحد بمنأىً عن مراقبة الوالدين. فكونهم محارم قد يحدّ من مقدار هذا الميل الجنسيّ، ولكن لا يزيله. لذا، لا يمكننا بالاستناد إلى كونهم محارم أن نريح بالنا ونمتنع عن المراقبة، ولدينا تجارب مريرة في هذا المجال غالباً ما تكون ناشئةً من عدم ملاحظة الوالدين واطّلاعهما.

فللأسف تغفل بعض العائلات عن أهمّيّة هذه المراقبة؛ لأسباب عديدة، كالانشغالات الحياتيّة وهمومها، أو الثقة الزائدة بالأبناء فلا يخطر ببالهم أنّ ابنهم معرّض في أيّ لحظة للسقوط. وهذه النظرة المبنيّة على حسن الظنّ المفرِط صادرةٌ عن انعدام البصيرة، وغفلة الأبوين عن القيام بوظائفهما تجاه أبنائهما. لذا ينبغي للوالدين أن يكون لديهما معرفة كاملة بعلاقات أبنائهما وصداقاتهم.

7. النوم والاستراحة:

ينبغي أن يتعلّم الأبناء أن يرتدوا لباساً مريحاً عند النوم، وأن تكون ساعات نومهم منظّمة وأبكر من ساعة نوم والديهم، وأن يضعوا رؤوسهم وأيديهم خارج اللحاف، ويتجنّبوا النوم على بطونهم. ومن المهمّ أن يعتاد الولد على ترك مخدعه بعد أن يستيقظ مباشرة ولا يتمرّغ فيه.

8. التبوّل والنظافة:

ينبغي أن يعتاد الأولاد منذ مرحلة الطُّفولة أن يقضوا حاجتهم كلّما شعروا بالحاجة للتبوّل، وأن يعتادوا الذّهاب إلى الحمّام كلّ ليلة قبل النوم. لأنَّ حبس البول؛ ينتج عنه ضررٌ جسماني، ويُسبّب في بعض الموارد تحريكاً للشهوة والميول الجنسيّة.كما أنّ للنظافة أثراً مهمّاً جدّاً أيضاً لا ينبغي الاستهانة به. فمن الثابت أنّ المحافظة على نظافة الأعضاء التناسليّة ومجاري إدرار البول تسهم بشكل أساس في الحدّ من الانحرافات الجنسيّة.

9. تعليم غسل الجمعة:
من الإجراءات المتعلّقة بالتربية الجنسيّة والتي هي في الواقع مقدّمةٌ لورود دنيا البلوغ والمراهقة؛ مسألة تعليم الأغسال. وبداية هذا التعليم يكون بغسل الجمعة. من خلال ترغيب الأهل أولادهم على غسل الجمعة، وبيان درجة ثوابه وفوائده بلغةٍ بسيطة وقابلة للفهم. ومن الأفضل أن يشرعوا بهذا الأمر من سنِّ التَّاسعة وما بعده. على أن يتولّى الأب تعليم ابنه، والأم تعليم ابنتها.

10. تعليم مفهوم المَحْرم وغير المَحْرم:

يمكن للوالدين أن يُعلّما أولادهما مفاهيم المحرم وغير المحرم من عمر ستّ سنوات وما فوقه، وأن يُهيِّئاهم لذلك. والوالدان أنفسهما هما أفضل أنموذج في تبيان مصاديق المحرم وغير المحرم أمام الأولاد، فهم في علاقاتهما وتعاطيهما مع مختلف الأفراد، ينبغي أن يُلقّنا أولادهما درساً عمليّاً في مجال تحديد المحارم من غير المحارم من الأفراد.


التربية الجنسيّة للمراهقين

أ- طرق إشباع الغريزة عند المراهق:

لمّا كانت الغريزة الجنسيّة في مرحلة المراهقة تُشكّل واحدة من أقوى الغرائز وأكثرها فعاليّة في شخصيّة الإنسان؛ لذا، فإنّ المسائل المتّصلة بها تبرز بشكل أوسع وأكثر جلاءً من القضايا الأخرى. فالغريزة الجنسية شأنها شأن العطش والجوع وسائر الحاجات الأخرى، تدفع المراهق إلى النشاط والفعاليّة والسعي؛ من أجل الإشباع والإرضاء. ولأنّ موعد البلوغ الجنسيّ عند الأحداث عادة ما يحصل قبل البلوغ النفسيّ والتهيّؤ اقتصاديّاً لمسألة الزواج؛ بمعنى أخر يحلّ موعد شعور المراهق بالحاجة إلى الإشباع الجنسيّ قبل النضوج النفسيّ والماديّ، فلا يجد المراهق أمامه إلا طريق من الطرق التالية:

1. أن يقوم المراهق بكبح جماح انفعالاته الغريزيّة، ويقوم بتجنّب العوامل المهيّجة والمثيرة، ويؤجّل الاستجابة لهذه الحالة إلى حين أوانها المناسب بالشكل الذي يُرضي الله وينسجم مع الفطرة، وهو ما يوصي به الإسلام ويؤيّده الشرع. ولكنّ هذا الحلّ كما لا يخفى من أصعب الطرق وأعقدها، ويتطلّب تنفيذه تدابير شرعيّة وتربويّة خاصّة به.

2. الطريق الأخر هو: "الإشباع الذاتي" الذي يتنافى وأهداف الشرع والخِلْقَة الإنسانيّة والغريزة الجنسيّة نفسها، ويعدّ نوعاً من الظلم بحقّ النفس، واعتداءً وتعدّياً على الشرع والمعايير الإنسانيّة. وتُسمّى هذه الحالة اصطلاحاً أيضاً بـ "الاستمناء".

3. الأسلوب الثالث هو انجذاب المراهق إلى الجنس المماثل. وهو يتنافى أيضاً مع مبادئ الدين والأخلاق والفطرة الإنسانيّة. ويُعدّ انتهاكاً لفلسفة خِلْقَة الجنسين ودورهما في الحياة، ويبعث على القلق، والاضطراب، وفقدان التوازن النفسيّ، ويستتبعه انحرافات سلوكيّة وأخلاقيّة كما لا يخفى.

4. الطريقة الرابعة والأخيرة هو: ميل المراهق وانجذابه إلى الجنس الآخر، وبطبيعة الحال إنّ أيّ علاقة في هذا المجال خارج إطار العقد والزواج الشرعيّ يُعدّ عملاً محرّماً ومرفوضاً؛ دينيّاً وأخلاقياً، ولها انعكاسات سلبيّة وكبيرة جدّاً على البنية الأخلاقيّة والإسلاميّة للمجتمع. وإذا ما شاعت الفاحشة بشكل واسع في المجتمع، فإنّها تعرّض الأركان الأساسيّة فيه؛ كالأسرة، والمعايير القيميّة السائدة فيه ـ أيضاً ـ إلى الانهيار، وتؤدّي بالنتيجة إلى شيوع التحلّل الخُلُقي والإباحيّة الجنسيّة.

وعلى الرغم من أنّ ضبط النفس والتعفّف الذي هو الطريق الأوّل أمر ممكن وعملي، ولكنّه معقّد وصعب، لذا أكثر المراهقين لا يلتزمون به، والذي يلتزم به هم أولئك المراهقون المؤمنون الذين يتمتّعون بإرادة قويّة وبخلفيّة دينيّة وتربويّة متينة. فإذا انهارت إرادة المراهق وعجز عن السيطرة على نفسه وكبح جماحها أمام نوازع الغريزة الطافحة؛ فإنّه سينجرف بطبيعة الحال إلى واحد من الطرق المنحرفة. من هنا، فإنّ مسؤوليّة توجيه المراهق وتربيته وتعليمه حتى يتخطّى هذه المرحلة بأمان وسلام هي مسؤوليّة كبيرة وثقيلة جدّاً، ويتحمّل الأهل القسم الأكبر منها. فما هي إذن، وظائف الآباء تجاه أبنائهم في هذه المرحلة العمرية الحسّاسة والمصيرية؟

ب- وظائف الأهل تجاه المراهقين:

بالإضافة إلى ما ذكرناه من الوظائف المرتبطة بتربية الأطفال وتوعيتهم الجنسيّة، نضيف إليها بعض الأمور الخاصّة بفئة المراهقين العمرية، والتي ينبغي على الأهل العناية بها والوقوف عندها، منها:

1. الدعم العاطفيّ للمراهق:

إنّ العلاقات العاطفيّة القويّة، وإرساء حالةٍ من الأنس والأُلفة مع الأولاد، والحؤول دون بروز الحرمان العاطفيّ، وكبت مشاعر المحبّة؛ تُعتبر كلّها من العوامل الأساسيّة في تعديل الميل الجنسيّ. فالإحساس بالوحدة، وفقدان الملاذ، واليأس، والقنوط، والإحساس بالحقارة، وفقدان الكرامة والاعتبار؛ كلّها عوامل تُمهّد للانحرافات الجنسيّة عند الأبناء. لذا، ينبغي حثّ الوالدين على إقامة علاقات عاطفيّة صميميّة مع أبنائهم المراهقين، وربطهم بهم من خلال علاقات إيجابيّة قائمة على أساس الانسجام والثقة المتبادلين. فالمراهق إذا شعر بالكفاءة، وتمّ إكرامه أكثر، وشعر بأنّ شخصيّته محترمة؛ فسوف تتولّد لديه الثقة بنفسه، فيتشجّع على توظيف قدراته وطاقاته بالاتّجاه السليم والبنّاء. أمّا إذا أُهين ونُبذ؛ فإنّه سينطوي على نفسه، ويهدر طاقاته باتّجاهات غير سليمة.

2. تقوية الروح الإيمانيّة والمعنويّة:

إنّ العامل الأكثر تأثيراً في التحكّم بالميل الجنسيّ عند الأبناء هو تقوية الوازع الإيماني والديني وتنميته أكثر فأكثر في نفوسهم. فقد أظهرت التجربة أنّه لا يوجد أيّ عامل في هذه المرحلة العمرية بموازاة الإيمان الدينيّ قادر على التحكّم بالنفس والإمساك بزمامها. فالإيمان الدينيّ يُوجِد قوّة معنويّة لدى الأولاد والمراهقين؛ تُمكّنهم من أن يطووا مسار هذه المرحلة بِحُلْوِها ومرّها، وأن يصمدوا برغبة وإرادة باطنيّة في مواجهة مشاكل المرحلة، والتي من جملتها تلبية الحاجة الجنسيّة.

فالمراهق يميل بشدّة إلى أن يُطفئ ظمأه النفسيّ من خلال التزوّد من معين المعنويّات والإيمان. فالمعنويات بالنسبة له تُعدّ بمثابة الشهد اللذيذ الذي يملأ حياته بالحيويّة والنشاط والاستقامة. لذا، ينبغي العمل على تقوية التربية الإيمانية والمعنوية وتعزيزها في نفس المراهق، وتعزيز بنائه الأخلاقيّ والدينيّ بالشكل الذي يمكن أن يُحصّنه من عوامل الانحراف والجنوح الخلقيّ والسلوكيّ. فعلى سبيل المثال لا الحصر، يقول الله تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾7، فعلى أولياء الأمور المبادرة في سِنِي المراهقة الأولى إلى التحدّث مع أبنائهم حول مكانة الصلاة وأهمّيّتها، وكذلك أهمّيّة العبادات الأخرى، ويشرحوا لهم كيف تُساعد هذه العبادات على مكافحة المحرّمات والآثام، وأن يجتهدوا في توثيق علاقتهم وارتباطهم بالله تعالى لأنّها الحصانة الوحيدة والحقيقية التي تحول دون الوقوع في فخّ الفساد الأخلاقيّ، وتُعدّ سلاحاً فعّالاً جدّاً في مكافحة مظاهر الرذيلة والانحراف.


3. توجيه المراهق نحو الأهداف السامية:

من المسائل المهمّة في التربية الجنسيّة الصحيحة للمراهقين مسألة تعديل ميولهم الجنسيّة. فإذا لم يتمّ تعديل هذه الميول؛ فإنّ كافّة اهتمامات المراهق ستنصبّ عليها، وسيعزف عن الدرس وسائر الأنشطة المختلفة، وسيقع يوماً بعد يوم في انحرافات جديدة. لذا، فإنّ تغيير اتجاه الطاقات النفسيّة للمراهق من الأهداف الجنسيّة وتوجيهها نحو الأهداف والمجالات الأخرى؛ الفكريّة، والاجتماعية، والفنّيّة، والرياضيّة، وغيرها من الأمور النافعة يُعدّ من أكثر الأساليب التربويّة فعاليّة ونجاعة؛ لأنّها تصرف اهتمام المراهق وتشغله عن غريزته.

4. تقوية الإرادة لدى المراهق:

إنّ من أكثر الحالات شيوعاً في أوساط المراهقين هي شعورهم بالعجز التامّ، وضعف إرادتهم إلى درجة أنّهم لا يلبثون عند تصميمهم على ترك بعض الأعمال غير اللائقة، حتى يعودوا إليها بعد فترة وجيزة، وهذا ما يولّد اليأس والإحباط في نفوسهم، فيرى المراهق نفسه كأنّه يصارع دون أن يعرف سبيلاً محدّداً للنجاة. من هنا، ينبغي العمل على تقوية إرادة المراهق وتعزيزها ليقوى على المواجهة والثبات في وجه طوفان الغريزة الجارف. فالإرادة؛ كالنبتة الصغيرة؛ بحاجة إلى رعاية لحين إيصالها إلى مرحلة التفتّح وإنتاج الثمار؛ فهي قابلة لأن تنمو وتتعزّز مع الوقت. والإرادة، فضلاً عن التقوية والرعاية، بحاجة إلى التربية أيضاً؛ بمعنى أن نعمل على تنشئة المراهق وتعليمه أساليب تقوية الإرادة بشكل عملي. وهناك أساليب عديدة لتقوية الإرادة:

- يأتي على رأسها الإحساس بالحضور والمراقبة الإلهية الدائم وما يُعزِّز هذا الإحساس توجيه المراهق إلى حبّ العبادة وذكر الله والموت والآخرة وقراءة القرآن والدعاء وحضور المساجد وزيارة القبور.
- ترسيخ روحية الالتزام والمواظبة في النفس من خلال المثابرة على الأعمال والبرامج الشرعية.
- تربية المراهق على روحيّة إتمام الأعمال التي يشرع بها حتى النهاية؛ فإنّ إتمام العمل مهما كانت نتائجه أفضل بكثير من تركه ناقصاً دون إتمام؛ لأنّ من شأن ترك العمل قبل إتمامه أن يُضعف من إرادة الإنسان ويزلزلها.

- ومن الأمور المفيدة جداً في تقوية الإرادة هو التذكير والتلقين الدائم للنفس على قاعدة: ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ﴾8.

5. ملء وقت الفراغ:

يتمتّع الأولاد والمراهقون بطاقةٍ عاليةٍ جدّاً، ينبغي بذلها على نحوٍ سليم، ولا ينبغي كبتها وتخزينها داخلهم. لذا، لا بدَّ أن يُفكّر الأهل بحسب إمكانيّاتهم بتدابير معيّنة لملء أوقات فراغ أولادهم بأشياء مفيدة ونافعة، خاصّة خلال أيام العطلة. فالفراغ يولّد لدى المراهقين الشعور بالحيرة والقلق، ويدفعهم عن قصد أو غير قصد وبالتدريج إلى البحث عن كلّ ما يمكن أن يشغلهم ويقضي على رتابة عيشهم وحياتهم. فما أكثر المراهقين الذين لجأوا إلى أساليب منحرفة؛ بسبب افتقادهم لبرامج مفيدة يملأون بها أوقات فراغهم القاتلة. إنّ واحدة من أهمّ الطرق لوقاية المراهقين من الانحراف تكمن في توظيف طاقتهم الفكريّة والجسديّة بالأعمال والنشاطات المفيدة.

6. إبعادهم عن كل ما يثير الشهوات:

من الإعلام والمشاهد والمقروء والمسموع كالتلفزيون، والانترنت، والمجلّات والجرائد والكتب، التي فيها سمٌّ قاتل يُحفّز ويُنبّه شهوات المراهق.

7. الرعاية والاهتمام الخاصّ بالمراهقات:

إنّ الانحرافات الأخلاقيّة والسلوكيّة تتّسم بطبيعتها بخاصّيّة معقّدة. وإنّ الأسباب والدوافع الباعثة على سلوك مسالك الجنوح والانحراف من المسائل التي يعجز المراهقون عن تشخيصها ومعرفة العواقب السلبيّة التي تترتّب عليها. ورغم أنّ جميع المراهقين عرضة للانحرافات الأخلاقيّة والسلوكيّة إلّا أنّ الإناث منهم أكثر قابليّة للتضرّر في هذه الحالات؛ لسببين أساسين:

الأوّل: تكوينهم الجسديّ والجسميّ من ناحية الشكل وضعف القوة والقدرات البدنية بالقياس إلى الذكور.

الثاني: اتّسامهم بدرجة أكبر من الانفعال والتأثّر العاطفيّ في التعامل مع المسائل.

لذا، ينبغي على أولياء الأمر إيلاء أهمّيّة خاصّة وكبيرة للمراهقات، واتّخاذ التدابير اللازمة للحفاظ عليهنّ ووقايتهنّ من الانحرافات الأخلاقيّة والسلوكيّة. فلا يُترَكن لوحدهنّ ـ مثلاً ـ في المنزل لفترات طويلة، ولا ينبغي الوثوق كثيراً بالمراهقين الشبّان من الأهل والأقارب؛ البعيدين والقريبين، أو بالأشخاص الذين يرتبطون مع الأسرة بعلاقات وزيارات عائليّة، وينبغي اتّخاذ الاحتياطات الأخلاقيّة والنفسيّة الضروريّة في هذا المجال؛ كي لا يُصَبن بأضرار نفسيّة وجسديّة يصعب جبرانها في ما بعد.


التحذير والوقاية من العادة السرية:

إنّ الإسلام بوصفه ديناً قائماً على أساس الفطرة الإنسانيّة، ينظر إلى هذا النوع من الممارسات باعتبارها خروجاً عن الطبيعة الإنسانيّة؛ لما لها من مضاعفات سلبيّة وخطيرة على الجسد، حيث إنّها تُصيبه بالضعف والعجز، وتُعجّل من الشيخوخة، وتُؤثِّر على النفس ـ أيضاً ـ لما يستتبعها عادة من شعور بالذنب، والعصبية، والقلق، وضعف التركيز الفكريّ والعقليّ، ومن شرود الذهن، وغيرها من الآثار السلبيّة. والعادة السرّيّة تُعتبر من الشذوذ الجنسيّ المحرَّم شرعاً في الإسلام والمعاقب عليه وفاعله ملعون، كما روي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال: "ناكح الكف ملعون"9.

وفي رواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ أمير المؤمنين عليه السلام أتى برجل عَبثَ بذكره، فضرب يديه حتى احمرَّتْ ثمّ زوّجه من بيت المال"10.

لذا، يجب إلفات نظر المراهقين - إناثاً وذكوراً - إلى الآثار السلبيّة والسّيئة لهذه العادة، والعواقب التي تترتّب عليها.


المفاهيم الرئيسة

1. تعدّ الغريزة الجنسيّة من أقوى الغرائز الحيويّة لدى الإنسان، وتتّسم هذه الغريزة المودعة في النفس الإنسانية منذ الولادة بحالة من الهدوء والسكينة لحين سنّ المراهقة.

2. بروز الغريزة الجنسيّة يرافقها الكثير من العقبات والمشاكل. وتقع على الوالدين مسؤولية كبيرة في العمل على رفع هذه العوائق التي قد تعترض طريق المراهق في هذه المرحلة العمريّة الحسّاسة.

3. تُقدِّم المدرسة التربويّة في الإسلام بعض السُّبُل والطرق للتوعية الجنسيّة، ويمكن أن نُقسّم عملية التوعية إلى محورين: الأوّل: في التربية الجنسيّة للأطفال. والثاني: في التربية الجنسيّة للمراهق.


4. من المبادئ التي ينبغي العمل عليها في مرحلة الطفولة: غرس بذور الحياء في نفوس الأطفال، وعدم استخدام الألفاظ البذيئة،و الفصل بين الفتية والفتيات، والحدّ من التماسّ الجسديّ مع الأطفال، والمراقبة الدائمة لعلاقات الأبناء، بالإضافة إلى تعليمهم مفهومي الحلال والحرام.

5. إنّ طرق إشباع الغريزة عند المراهق متعدّدة، ينبغي الحذر من عدم وقوع الأبناء المراهقين في الطريق المنحرف والمنافي للفطرة والأخلاق الإنسانية.

6. من المبادئ التي ينبغي العمل عليها في مرحلة المراهقة: الدعم العاطفيّ الخاصّ للمراهق، تقوية باعث الإيمان والمعنويات في نفسه، وتوجيه المراهق نحو الأهداف السامية، وتقوية باعث الإرادة في نفس المراهق، والوقاية من الوقوع في فخ الملل القاتل وآفّة العادة السرّيّة المهلكة.


للمطالعة

التربية الإسلامية الأصيلة

(الأبناء) عليكم أن تربّوهم على الأخلاق الإنسانية والأخلاق الإسلامية وأن توجّهوهم نحو الله تعالى وأن تجنّبوهم الفساد الموجود في المجتمعات المنحطّة. عليكم أن تُذكّروهم بأنّهم لو تربّوا تربية إسلامية- إنسانية فإنّ هذا سعادة لهم وسعادة لبلدهم. يجب عليكم أن تربّوهم على الاحتراز عن الطبيعة المنحطّة التي تشدّ الإنسان نحو الانحطاط والتي تتمثّل في حبّ الجاه وحبّ المال وحبّ المنصب.

يجب أن تُبعدوهم عن هذه الأشياء التي هي من صعوبات طريق الإنسان والتي تمنع رقيّه. وضّحوا لهم أنّ الإنسان طالما كان منصرفاً إلى عالم الطبيعة هذا فإنّه ليس إنساناً، هؤلاء الذين كل همّهم الحصول على شي‏ء وأن يكون لديهم الحياة الرغيدة والمسائل المادية، في النهاية سيكون وضعهم كحيوان كل همّه في حاجاته المادية، يجب عليكم أن توضّحوا لهم أنّ الحياة هي الحياة الشريفة فقط. الحياة الإنسانية هي الحياة الشريفة.

يجب عليكم أن تمنعوهم عن عبادة غير الله سبحانه وأن تُربّوهم على عبادة الله تعالى. وإذا دخل الإنسان المجتمع من طريق عبادة الله أو أنه نظر إلى الأمور من طريق العبادة ومن خلال هذه القناة، فإنّ جميع أعماله تصبح إلهية.

إذا قَبِل الإنسان عبادة الله فقط واحترز عن سائر الأشخاص، إذا دخل من خلال قناة عبادة الله في الدنيا وفي الطبيعة فإنّ كل عمل يقوم به هو عبادة لأنّ المبدأ هو عبادة الله سبحانه. لقد لاحظتم أنّه في القرآن الكريم وأيضاً في الصلاة عندما تصلّون تُقدّمون عبادة النبي لله على رسالته (عبده ورسوله)، عبداً قبل أن يكون رسولًا. ومن الممكن أن يكون هذا الأساس إشارة إلى أنّه من خلال العبودية وصل إلى الرسالة. تحرّر من كل شي‏ء وصار عبداً، عبداً لله وليس عبداً للأشياء الأخرى.

هناك طريقان لا أكثر، إمّا عبودية الله وإمّا عبودية النفس الأمّارة، هذان هما الطريقان. أن يتحرّر الإنسان من عبادة الآخرين ويقبل عبودية الله- الذي يليق أن يكون الإنسان عبده- فإنّ الأعمال التي يقوم بها ليس فيها انحراف أي لن يرتكب انحرافاً متعمّداً.
جميع الانحرافات الموجودة في الناس - سواء كانت في العقائد أم في الأعمال المنحرفة أم الأقلام المنحرفة أم الأحاديث المنحرفة - كلها لأنّها لم تمر من قناة العبودية لله، ولأنّهم عبيد للأهواء النفسية11.



1- بحار الأنوار،ج 101، ص96.
2- وسائل الشيعة، ج20، ص231.
3- مكارم الأخلاق، ص223.
4- وسائل الشيعة، ج20، ص133.
5- م.ن، ص132.
6- م.ن، ص230.
7- العنكبوت، 45.
8- البقرة، 269.
9- بحار الأنوار، ج101، ص30.
10- وسائل الشيعة، ج18، ص 574.
11- صحيفة الإمام الخميني، ج‏14، ص34.

مراتب الإيمان

مراتب الإيمان


يقول الله تعالى في محكم كتابه:

1- ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾(آل عمران:191)

2- ﴿كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِين﴾(التكاثر:5، 6، 7)

3-﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ﴾(الواقعة:95)

تمهيد

الإيمان هو الاعتقاد، وسكون النفس وتصديق القلب، وكلّ من كان عارفاً بالله وبنبيّه وبكلّ ما أوجب الله عليه معرفته مقرّاً بذلك فهو مؤمن، والكفر نقيض ذلك.

ولكن هذه الحالة الإيمانيّة تتفاوت بين الناس وتختلف على مراتب، فمنهم من بلغ أعلى المراتب وهي اليقين، كأمير المؤمنين عليه السلام الذي روي عنه: "لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً"، ومنهم من هو دون ذلك كما أشار إليه تعالى في كتابه: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ﴾1 .

وكلّما قوي واشتدّ إيمان الإنسان استطاع أن يسلك طريق الهدى ويصل إلى السعادة بشكل أسهل وأسلم، وإذا ضعف الإيمان كان تعرّضه للسقوط في طريق السعادة والخير أكثر وأخطر. لذلك نجد الشريعة الإسلاميّة المطهّرة قد حثّت على العلم والمعرفة ودعت إلى التفكّر في خلق الله تعالى، ليزداد الإنسان إيماناً ويقوى اعتقاده، ممّا يدعوه إلى التقوى والصلاح.

فعلى الإنسان المؤمن أن يُحاول جهده أن يصعد في الدرجات ولا يكتفي بدرجات الاعتقاد الأوّليّة.

فامتحانات وابتلاءات الدنيا كثيرة، كلّما كان الإنسان قويّ اليقين كلّما خرج منها بنجاح.

فعلى سبيل المثال؛ النبيُّ إبراهيم عليه السلام طلب المزيد من درجات الإيمان، كما قال القرآن الكريم: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾2 ، ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾3.

وفي الحديث عن صفوان، سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن قول الله لإبراهيم: ﴿أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ أكان في قلبه شكّ؟ قال عليه السلام "لا، كان على يقين ولكنّه أراد من الله الزيادة في يقينه"4.

ولقد حذّر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمّته من ضعف اليقين، فقال: "ما أخاف على أمّتي إلّا ضعف اليقين"5.

مراتب اليقين

وليس اليقين على مرتبة واحدة، بل له مراتب عدّة:

المرتبة الأولى: علم اليقين.
المرتبة الثانية: عين اليقين.
المرتبة الثالثة: حقّ اليقين.

كما أشير إليها في هذه الآيات: ﴿كَلاَ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ*لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ*ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ﴾ 6  ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ﴾7.

وكمثال لتوضيح الفرق بين هذه المراتب نقول: لو رأينا دخاناً يتصاعد يحصل لنا اليقين بوجود النار. وعين اليقين: يحصل عند رؤية النار نفسها، وحقّ اليقين: يحصل عند الاحتراق بتلك النار.

بين اليقين العقلي والقلبي

نوّد الإشارة إلى أمر مهمّ وهو لماذا نرى أناساً يقولون إنّنا موقنون بالله والآخرة، ولكنّهم في نفس الوقت نراهم ضعفاء في عملهم والتزامهم بأوامر الله ونواهيه؟

الجواب: إنّ هناك فرقاً بين اليقين القلبي والعقلي، فهذا إبليس كان موقناً بالله عقلاً ولكن لم يترسّخ يقينه في قلبه.

يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "إنّ الاعتقاد والعلم مغايران للإيمان، فالعلم بالله وأسمائه وصفاته وسائر المعارف الإلهيّة الّذي يوجد فينا، مغاير للإيمان وليس بإيمان. والدليل على ذلك أنّ الشيطان كما يشهد له الذّات المقدّسة عالم بالمبدأ والمعاد ومع ذلك فهو كافر، لأنّه يقول: ﴿خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾8 فهو إذن يعترف بالحقّ تعالى وخالقيّته، ويقول أيضاً: ﴿أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾9 ، فيعتقد بالمعاد، وهو كذلك عالم بالكتب والرسل والملائكة، ومع ذلك كلّه خاطبه الله سبحانه بلفظ الكافر، وأخرجه من زمرة المؤمنين"10.

فالمطلوب أن ينزل العلم واليقين العقلي إلى منطقة القلب حتّى يؤثّر أثره في نفس وقلب وسلوك الإنسان.

وقد فرّق بعض العلماء بين الإيمان العقلي والقلبي بمثال معبِّر، حيث مثّلوا لذلك بالإنسان الّذي ينام مع ميّت في غرفة وحدهما، فقالوا: إنّ الإنسان يعلم يقيناً أنّ الميّت لا يؤذي، ولكن يخاف أن ينام معه منفرداّ، وما ذلك إلّا لأنّ اليقين العقلي بعدم أذيّة الميّت له، لم ينزل إلى القلب.

أهميّة اليقين وثمراته

الأحاديث كثيرة في أهميّة اليقين وثمراته، نذكر بعضها:

1ـ رأس الدِّين وعماده:

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الصبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كلّه"11.

وعن الإمام عليّ عليه السلام: "اليقين رأس الدِّين"12.

وعنه عليه السلام: "اليقين عماد الدِّين"13.

2ـ قوّة العمل:

قال لقمان لابنه: "يا بُنيّ، العمل لا يُستطاع إلّا باليقين، ومن يضعف يقينه يضعُف عمله"14.

3ـ شرط العبادة:

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا عمل إلّا بنيّة، ولا عبادة إلّا بيقين"15.

وعن الإمام عليّ عليه السلام  "باليقين تتمّ العبادة"16.

4ـ إنكار المنكر (الجهاد):

عن الإمام عليّ عليه السلام: "... ومن أنكر (المنكر) بالسيف لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الظالمين هي السفلى، ذلك الّذي أصاب سبيل الهدى، وقام على الطريقة ونوّر في قلبه اليقين"17.

5ـ اليقين قوّة للقلب:

عن الإمام عليّ عليه السلام: "أحي قلبك بالموعظة، وأمته بالزهادة، وقوّه باليقين"18.

6ـ سعادة:

عن الإمام عليّ عليه السلام: "ما أعظم سعادة من بوشر قلبه ببَرْدِ اليقين"19.

7ـ الصبر:

عن لقمان الحكيم: "الصبر عند مسّ المكاره من حسن اليقين"20.

8ـ الإخلاص:

عن الإمام عليّ عليه السلام: "إخلاص العلم من قوّة الإيمان"21.

9ـ الزهد:

عن الإمام عليّ عليه السلام: "اليقين يتمّ الزهد"22.

10ـ التوكلّ والرضى:

عن الإمام عليّ عليه السلام: "التوكلّ من قوّة اليقين"23.

وعنه عليه السلام: "بالرضى بقضاء الله يُستدل على حسن اليقين"24.

11ـ الهداية:

وعن الإمام عليّ عليه السلام "هُديَ من دَرَعَ لباس الصبر واليقين"25.

ونُلاحظ في كلّ هذه الأحاديث عندما يُطلق اليقين ويترتّب عليه هذه الآثار الجليلة، فإنّ المراد منه هو اليقين الّذي امتزج مع القلب. وهو اليقين الممدوح والمطلوب، نعم اليقين العقلي مقدّمة لهذا اليقين ومساعد على تحقّقه.

كيف نُحصِّل اليقين؟

بعد أن ذكرنا هذه الثمار المهمّة لليقين، وعرفنا ما يترتّب عليه، وأدركنا أهميّته، نسأل كيف يُمكن تحصيله؟

الجواب: يُمكن تحصيل اليقين من خلال أمور:

1ـ إصلاح النفس:

عن الإمام الكاظم عليه السلام: "تعاهدوا عباد الله بإصلاحكم أنفسكم تزدادوا يقيناً، وتربحوا نفيساً ثميناً"26.

فإصلاح النفس وجهادها والتفكّر بما فيها من صفات حميدة أو رذيلة مذمومة يُساعد كثيراً على معرفة الهدى والرشاد، وبالتوكّل على الله ينزل هذا اليقين إلى قلبه.

2ـ التفكّر والتأمّل:

عن الإمام عليّ عليه السلام: "الإيمان على أربع دعائم: على الصبر واليقين والعدل والجهاد... واليقين على أربع شعب: على تبصرة الفطنة، وتأوّل الحكمة، وموعظة العبرة، وسنّة الأوّلين... "27.

ما يُضعِف اليقين

وأمّا الأمور الّتي تؤثّر سلباً على اليقين وقد تؤدّي إلى زواله فأهمّها:

1ـ غلبة الهوى والشهوات:

عن الإمام عليّ عليه السلام: "يُفسد اليقين الشكّ وغلبة الهوى"28.

2ـ الحرص:

وعنه عليه السلام: "من كثر حرصه قلّ يقينه"29 ، "الحرص يُفسد الإيقان"30.

3ـ الصحبة الفاسدة:

وعنه عليه السلام: "خلطة أبناء الدنيا تشين الدِّين وتُضعف اليقين"31.

خاتمة

إذا رجعنا إلى أنفسنا عرفنا جيّداً، مدى خطورة الشكّ على النفس الإنسانيّة، حتّى في الأمور الدنيويّة؛ الشكّ صعبٌ على النفس، فكيف بالأمور المصيريّة، الّتي تؤدّي بنا إمّا إلى جنّة أو إلى نار.

إن لم نقوّي يقيننا وإيماننا بالمبدأ والمعاد، ستكون حياتنا صعبة قلقة مضطّربة، وآخرتنا أمرّ وأدهى.

فلنحذو حذو النبيّ إبراهيم عليه السلام الّذي طلب من الله زيادة الاطمئنان، أو حذو الإمام عليّ عليه السلام الّذي روي عنه: "لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً"32.

1-سورة يوسف، الآية:106.
2-سورة البقرة، الآية: 26.
3-سورة الأنعام، الآية: 75.
4-ميزان الحكمة، محمّد الري شهري، ج 10، ص 790، ح 22725.
5-م . ن، ج 10، ص 785، ح 22683.
6-سورة التكاثر، الآيات: 5ـ 6ـ 7.
7- سورة الواقعة، الآية: 95.
8-سورة الأعراف، الآية: 12.
9-سورة الأعراف، الآية: 14.
10-الآداب المعنويّة للصلاة، الإمام الخميني، مؤسسة الأعلمي، ط2- 1986م، ص40.
11- ميزان الحكمة، محمّد الري شهري، ج 10، ص 774، ح 22629
12-م.ن، ج 10، ص 774، ح 22612.
13- م . ن، ج 10، ص 774، ح 22619.
14- حكم لقمان، محمّد الري شهري، ص 62، نقلاً عن البداية والنهاية، ج 9، ص 270.
15- ميزان الحكمة، محمّد الري شهري، ج 10، ص 776، ح 22631.
16-م.ن، ج 10، ص 775، ح 22629.
17-ميزان الحكمة، محمّد الري شهري، ج 10، ص 329، ح 20858.
18- م . ن، ج 10، ص 773، ح 22609.
19-م . ن، ص 773، ح 22603.
20- حكم لقمان، محمّد الري شهري، ص 62 نقلاً عن ربيع الأبرار، ج 2، ص 524.
21-ميزان الحكمة، محمّد الري شهري، ج 10، ص 787، ح 22698.
22-م . ن، ج 10، ص 787، ح 22702.
23-م . ن، ج 10، ص 788، ح 22711.
24- م . ن، ج 10، ص 788، ح 22713.
25- ميزان الحكمة، محمّد الري شهري، ج 10، ص 789، ح 22720.
26- م . ن، ج 10، ص 790، ح 22724.
27-م . ن، ج 10، ص 789، ح 22720.
28- ميزان الحكمة، محمّد الري شهري، ج 10، ص 784، ح 22673.
29- م. ن، ج 10، ص 784، ح 22674.
30-م . ن، ج 10، ص 784، ح 22676.
31- م . ن، ج 10، ص 785، ح 22681.
32- عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمّد الليثي الواسطي، ص 415.

الأحد، 24 مايو 2015

العبودية لله هي الهدف

العبودية لله هي الهدف

العبودية والفطرة الإنسانية

عندما يرجع الإنسان إلى أعماق نفسه سوف يجد فيها ميلاً ورغبةً للخضوع أمام كلّ عظيم. فعندما يجلس الإنسان في محضر عظيمٍ من العظماء سوف يشعر بالانجذاب نحوه والخضوع له. وكلّما كان تعلقّ قلبه بهذا الشخص أكثر، فإنّ خضوعه له سيكون أشدّ وأقوى، بحيث يصبح مستعداً لتنفيذ كل ما يطلبه منه. وهذه الحالة ليست غريبةً عن الإنسان، بل هي نابعةٌ من أصل خلقته التي فطرت على الخضوع أمام كل عظيم.

ولو أعاد الإنسان النظر ورجع إلى أعماق ذاته من جديد سوف يكتشف حقيقةً أخرى جليّة مفادها، أنّه مخلوقٌ ضعيف ومحتاج على الدوام ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾1، ﴿وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء﴾2، فالاحتياج والضعف يخالطانه كما يخالط الدم لحمه بل أشدّ من ذلك.. وهذا هو السبب الجوهري والأساسي لحالة الانجذاب والخضوع التي تحدّثنا عنها آنفاً. فالإنسان عندما يعاين عجزه وضعفه سوف يلجأ لا محالة إلى موجودٍ أكمل منه وأقوى وأغنى لكي يرفع عنه هذا النقص والاحتياج الذي يتخبّط فيه.

هذا التوجّه نحو الموجود الأكمل والأقوى يترجم عمليّاً بما يسمّى بالعبادة والخضوع. والفطرة الإنسانية لا تطلب الخضوع عبثاً، وإنّما لأنها تجد فيه سبيلاً للكمال والسعادة المفقودين.

أصناف البشر

الناس في هذه الحياة الدنيا صنفان:

صنفٌ يرى كماله وسعادته في الدنيا وملذّاتها، فيتوجّه إليها ويطلبها علّه يجد فيها ريّاً لعطشه. وهذا الطلب قد يقوى ويشتدّ عند بعض الناس حتى يصل إلى درجة العبادة، بحيث يصبح الإنسان عابداً للدنيا والأهواء المتفرّعة عنها. وهذا ما كشف النقاب عنه في القرآن الكريم حيث قال عزّ وجلّ: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾3.

وصنفٌ آخر من الناس أدركوا الكمال الحقيقي وشخّصوه جيداً، وعرفوا أنّ مطلوبهم الواقعي ليس الكمالات المحدودة والزائلة، بل ما يبحثون عنه واقعاً وما تعشقه فطرتهم هو الكمال اللامتناهي الذي لا نقص فيه ولا اضمحلال ولا زوال، وهو الله تبارك وتعالى. فتوجّهوا إليه بقلوبٍ منكسرة، خاضعة، مستبشرة، وعبدوه لأنه أهلٌ للعبادة، ولأنّه مالكُ كلّ شيء وهو على كل شيءٍ قدير ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾4. وهذا أمرٌ طبيعي وفطري لأنّ الإنسان إذا أحب موجوداً ما، فإنّ أفضل وسيلة للتعبير عن هذا الحب هو الخضوع أمامه وطاعته فيما يأمر به. فكيف إذا كان قلب الإنسان متوجّهاً إلى الله ومتعلّقاً به ومنجذباً نحوه؟! أمام هذه الحقيقة الجليّة يرتفع النداء الإلهي ليكشف النقاب عن سرّ وجود الإنسان في هذا العالم والهدف الأساسي من وجوده، فيقول عزّ وجلّ: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾5 وفي آيةٍ أخرى يقول ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾6. ولو عاد الإنسان إلى نفسه مجدّداً فسيجد أنّ الطاعة ليست بالأمر الغريب والطارئ عليه، بل إنّ فطرته الإنسانية وجبلّته الأصلية قد جبلت على الطاعة والعبادة. إذاً، فالعبودية أمرٌ فطري في الإنسان وعليه يصبح الطريق إلى الله عزّ وجلّ جليّاً وواضحاً لا غبار عليه.

لماذا العبودية؟

لسائلٍ أن يسأل عن السبب الذي جعل العبودية هي الطريق الوحيد للخروج من حالة النقص والاحتياج البشري، وبالتالي الطريق الوحيد للاتصال بالكمال اللامتناهي، أي بالحق عزّ وجلّ. فما الذي يمنع من افتراض وجود طريقٍ آخر يصل الإنسان عبره ؟! إن امتلاك جوابٍ صحيح عن هذا السؤال يتوقف على معرفةٍ دقيقة بحقيقة النفس وتوجّهاتها الفطرية، ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من عرف نفسه عرف ربه"7.

إن النّفس الإنسانيّة كما ذكرنا مجبولةٌ على الطاعة والخضوع أمام كل عظيمٍ وكامل، أمام كل من يؤمّن لها سعادتها وراحتها وكمالها. وهذه الحقيقة وصمةٌ على جبين الإنسانيّة لا مفرّ منها أبداً. فالإنسان لا محالة عابدٌ ومطيعٌ، والسبب في ذلك فقره ضعفه ونقصه. ولكن هذا الإنسان إما أن يكون عابداً ومطيعاً لموجودٍ فقيرٍ ومحتاجٍ مثله، وإما أن يكون خاضعاً لموجودٍ كامل لا نقص فيه أبداً. وما يرجوه الإنسان من خضوعه وعبادته دوماً هو نيله السعادة التي يتوق إليها ويبحث عنها في الليل والنهار، وهي السعادة الخالدة والدائمة التي لا نقص فيها ولا عوج، لا السعادة المحدودة الزائلة والفانية.

وهذه السعادة بطبيعة الحال لن تكون عند مخلوقٍ ضعيف مثله، لأنه لا يمتلكها أيضاً، ففاقد الشيء لا يعطيه أبداً. وهو لو توجّه إلى موجودٍ ضعيف ومحتاج مثله، فإنّه لن يزيده إلَّا فقراً ونقصاً، لأنّ الآخرين مثله محتاجون أيضاً إلى من يعطيهم السعادة والكمال ولو أظهروا لنا خلاف ذلك.

العبودية أمر لا مفرّ منه

إذاً، لا مفرّ من العبودية والطاعة، ولكن الإنسان إما أن يكون عبداً لله تعالى وإما عبداً للدنيا والأهواء. والإنسان إذا أراد أن يدرك ما عند الله تعالى الذي هو أصل كل غنىً وكمال، ومصدر كل جمال ومنبع كلّ سعادة وطمأنينة وراحة في هذا العالم، فإنّه لن يحصل على مراده إلَّا بعبادته وحده، لأنّ العبادة ليست سوى التعبير العملي عن التوجّه نحوه عزّ وجلّ. عن مولى الموحّدين علي عليه السلام أنّه قال: "إنّه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته"8. أما سعي الإنسان وراء الدنيا وإعمال الجهد في تحصيل ملذّاتها وكمالاتها الموهومة الفانية فلن تزيد الإنسان سوى عطشاً وحيرةً وضلالة. كما عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "مثل الدنيا كمثل ماء البحر، كلما شرب منه العطشان ازداد عطشاً حتى يقتله"9. والسبب في ذلك أنّ الدنيّا الفانيّة والنّاقصة لا يمكن أن تكون بحالٍ من الأحوال غاية الأرواح الباحثة عن الخلود والسعادة التي لا حدّ لها ولا منتهى. لذا أمر الله تعالى الإنسان بطاعته، وأن لا يشرك بطاعته أحداً، لأن الطاعة هي الترجمة العمليّة للخضوع والحبّ، وحبّ الله لا يمكن أن يجتمع معه حبٌّ آخر، كما قال تعالى في كتابه العزيز: ﴿مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ﴾10 فطاعة الله ومحبته لا تجتمع مع طاعة غيره: ﴿وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئً﴾11. وقال عزّ من قائل: ﴿اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾12.

ويحذّر من طاعة غيره فيقول: ﴿وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾13.

إذاً، التحقّق بالكمال الإنساني اللامتناهي لا يتمّ إلَّا بالارتباط الحقيقي والعميق بالحق جلّ وعلا. ونحن لو أردنا أن نعطي مرادفاً آخر للارتباط الفعلي والعملي بالله عزّ وجلّ، فلن نجد أفضل من كلمة العبودية. فمن المتعذّر على الإنسان الباحث عن السعادة والكمال الإنساني المنشود أن يجد مطلوبه عند غير الله تعالى. والله سبحانه وتعالى اختصر وجود الإنسان في هذه الدنيا بكلمة واحدة هي العبادة. فالطريق الوحيد إلى الغاية الحقيقية هو الانقياد التامّ لله سبحانه والذي يظهر بصورة اتّباع رسله وتطبيق شريعته. فالعبودية الحقّة لا تتحقق إلَّا من خلال الانقياد التامّ لله وترك التّمرد والعناد. ونتيجة هذه العبودية: "يا ابن آدم: أنا غنّي لا أفتقر أطعني فيما أمرتك أجعلك غنياً لا تفتقر يا ابن آدم: أنا حيّ لا أموت أطعني فيما أمرتك أجعلك حياً لا تموت يا ابن آدم أنا أقول للشي‏ء كن فيكون أطعني فيما أمرتك أجعلك تقول للشي‏ء كن فيكون"14.

* كتاب دروس في التربية الأخلاقية، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.

1- سورة فاطر، الآية: 15.
2- سورة محمد، الآية: 38.
3- سورة الجاثية، الآية: 23.
4- سورة الملك، الآية: 1.
5- سورة الذاريات، الآية: 56.
6- سورة هود، الآية: 123.
7- العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج2، ص32.
8- الحر العاملي، وسائل ‏الشيعة، ج15، ص234.
9- الشيخ الكليني، أصول الكافي، ج2،ص136.
10- سورة الأحزاب، الآية: 4.
11- سورة النساء، الآية: 36.
12- سورة البقرة، الآية: 21.
13- سورة الأنعام، الآية: 121.
14- العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج90، ص

لماذا أحبّ أهل البيت عليهم السلام؟

لماذا أحبّ أهل البيت عليهم السلام؟


لزوم حبّ أهل البيت
"من أحبّهم فقد أحبّ الله ومن أبغضهم فقد أبغض الله..." 1.
إنّ محبّة الله عزّ وجلّ والعبوديّة له تتجلّى بأبهى مظاهرها عندما يمتثل الإنسان أمره تعالى بحبّ أوليائه وطاعتهم. تأمّل كيف أنّ إبليس لم تنفعه عبادته لله عزّ وجلّ آلاف السّنين لرفض السّجود لآدم. والسرّ في ذلك أنّ الأنبياء والأئمّة هم أبواب هداية الله عزّ وجلّ ووسائط رحمته وفيضه. ومن يرفض مبعوث الله إليه فكأنّما يرفض مشيئة الله وتدبيره وحكمته في هذا الوجود، حيث لا يمكن الفصل بين حبّ الله عزّ وجلّ وطاعته وبين حبّ حجج الله تعالى وطاعتهم.

ومن أبرز الطّرق لتحصيل حبّ أهل البيت، الّذين هم حجج الله على عباده وخلفاؤه في أرضه، معرفتهم والاطّلاع على أحوالهم. فالحبّ فرع المعرفة. فإذا اطّلعنا على فضائلهم ومقاماتهم وعلوّ شأنهم عند الله عزّ وجلّ، فسيكون هذا الاطّلاع أفضل داعٍ لمحبّتهم. وعندما نتعرّف إلى أخلاقهم وسجاياهم وعبوديّتهم لله عزّ وجلّ، فسيكون هذا التعرّف أيضاً أفضل داعٍ لاتّباعهم وطاعتهم. لأنّنا باطّلاعنا على أخلاقهم وسجاياهم والتعرّف إليها سنكتشف أنّهم أفضل الخلق، وبالتالي هم فقط من يصحّ اعتبارهم قدوة في كلّ شيء، وهم فقط من يستحقّون الطّاعة والولاء.

نماذج من مقامات وفضائل أهل البيت
إنّ معرفة فضائل أهل البيت لا تُستقى فقط من الرّوايات التي تتحدّث عن فضائلهم ومقاماتهم وقربهم من الله عزّ وجلّ. فأخلاقهم الكريمة تُفصح أيضاً عن علوّ مقامهم. وكلماتهم الحكيمة تدلّل بأنصع صورة على شموخهم في العلم والمعرفة. وعباداتهم وذكرهم الدّائم لله يكشفان عن مدى قربهم منه تعالى. وبالتالي، في معرض كلامنا عن فضائل ومقامات أهل البيت ، علينا أن نستعرض كلّ هذه الأبعاد، وإليك بعض النماذج من الروايات:

أ: مقامهم
1ـ أهل البيت شجرة النبوّة ومعدن الرّسالة
عن شهاب بن عبد ربـّه قال: سمعت الصّادق يقول: "يا شهاب نحن شجرة النبوّة ومعدن الرّسالة، ومختلف الملائكة، ونحن عهد الله وذمّته... فمن وفى بذمّتنا فقد وفى بعهد الله عزّ وجلّ وذمّته، ومن خفر ذمّتنا فقد خفر ذمّة الله عزّ وجلّ وعهده"2.

2ـ الملائكة تتقرّب إلى الله بولاية أهل البيت
عن حمّاد عن أبي عبد الله أنّه سئل: هل الملائكة أكثر أم بنو آدم؟
فقال: "والّذي نفسي بيده لملائكة الله في السّماوات أكثر من عدد التّراب في الأرض، وما في السّماء موضع قدم إلّا وفيها ملك يسبّحه ويقدّسه، ولا في الأرض شجرة ولا مدر إلّا وفيها ملك موكّل بها يأتي الله كلّ يوم بعلمها والله أعلم بها، وما منهم أحد إلّا ويتقرّب كلّ يوم إلى الله بولايتنا أهل البيت، ويستغفر لمحبّينا، ويلعن أعداءنا ويسأل الله أن يرسل عليهم العذاب إرسالا"3.

ب: أخلاقهم
1ـ إيثارهم سلام الله عليهم
عن ابن عبّاس: إنّ الحسن والحسين مرضا، فعادهما رسول الله في ناس معه، فقالوا: يا أبا الحسن، لو نذرت على ولدك. فنذر عليّ وفاطمة وفضّة ـ جارية لهما ـ إن برئا ممّا بهما أن يصوموا ثلاثة أيّام، فشفيا وما معهم شيء، فاستقرض عليّ من شمعون الخيبريّ اليهوديّ ثلاث أصوع من شعير، فطحنت فاطمة صاعاً واختبزت خمسة أقراص على عددهم، فوضعوها بين أيديهم ليفطروا.

فوقف عليهم سائل فقال: السّلام عليكم أهل بيت محمّد، مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنّة، فآثروه، وباتوا لم يذوقوا إلّا الماء، وأصبحوا صياماً. فلمّا أمسوا ووضعوا الطّعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم، فآثروه.

ووقف عليهم أسير في الثّالثة، ففعلوا مثل ذلك.
فلمّا أصبحوا أخذ عليّ بيد الحسن والحسين وأقبلوا إلى رسول الله ، فلمّا أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع قال: ما أشدّ ما يسوؤني ما أرى بكم! وقام فانطلق معهم فرأى فاطمة في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها وغارت عيناها، فساءه ذلك، فنزل جبرئيل وقال: خذها يا محمّد هنّأك الله في أهل بيتك، فأقرأه السّورة 4، أي سورة الدّهر.

2ـ مكارم أخلاق الإمام عليّ بن موسى الرّضا
عن إبراهيم بن العبّاس قال: "ما رأيت أبا الحسن الرّضا جفا أحداً بكلمة قطّ، ولا رأيته قطع على أحد كلامه حتّى يفرغ منه، وما ردّ أحداً عن حاجة يقدر عليها، ولا مدّ رجله بين يدَي جليس له قطّ، ولا أتّكأ بين يدي جليس قطّ، ولا رأيته شتم أحداً من مواليه ومماليكه قطّ ولا رأيته تفل ولا رأيته يقهقه في ضحكه قطّ، بل كان ضحكه التبسّم، وإذا خلا ونصب مائدته أجلس معه على مائدته مماليكه ومواليه حتّى البوّاب والسّائس، وكان قليل النّوم بالّليل، كثير السّهر يحيي أكثر لياليه من أوّلها إلى الصّبح، وكان كثير الصيام فلا يفوته صيام ثلاثة أيّام في الشّهر، ويقول: ذلك صوم الدّهر، وكان كثير المعروف والصّدقة في السرّ، وأكثر ذلك يكون منه في اللّيالي المظلمة، فمن زعم أنّه رأى مثله في فضله فلا تصدّق"5.

ج: عبادتهم
1ـ عبادة الإمام الحسن
قال الصّادق : "حدّثني أبي، عن أبيه أنّ الحسن بن عليّ بن أبي طالب كان أعبد النّاس في زمانه وأزهدهم وأفضلهم، وكان إذا حجّ حجّ ماشياً وربّما مشى حافياً، وكان إذا ذكر الموت بكى وإذا ذكر القبر بكى، وإذا ذكر البعث والنّشور بكى، وإذا ذكر الممرّ على الصّراط بكى، وإذا ذكر العرض على الله تعالى ذكره شهق شهقة يغشى عليه منها، وكان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربّه عزّ وجلّ، وكان إذا ذكر الجنّة والنّار اضطرب اضطراب السّليم، وسأل الله الجنّة وتعوّذ به من النّار. وكان لا يقرأ من كتاب الله عزّ وجلّ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ إلّا قال: لبيّك اللّهمّ لبيّك، ولم يُرَ في شيء من أحواله إلّا ذاكراً لله سبحانه، وكان أصدق النّاس لهجة، وأفصحهم منطقاً"6.

2ـ ذكر الإمام الباقر الدّائم لله عزّ وجلّ
قال الإمام الصّادق: "... وكان أبي كثير الذّكر. لقد كنت أمشي معه وإنّه ليذكر الله، وآكل معه الطّعام وإنّه ليذكر الله، ولقد كان يحدّث القوم و ما يشغله ذلك عن ذكر الله، وكنت أرى لسانه لازقاً بحنكه يقول: لا إله إلّا الله، وكان يجمعنا فيأمرنا بالذّكر حتّى تطلع الشّمس ويأمر بالقراءة من كان يقرأ منّا ومن كان لا يقرأ منّا أمره بالذكر"7.

*'طريق المعارف، سلسلة المعارف الإسلامية ، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

1-مفاتيح الجنان/ الزيارة الجامعة
2-بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 24، ص 87 - 88.
3-م. ن، ص 210.
4- أهل البيت في الكتاب والسنة، محمّد الريشهري، ص 251 ـ 252.
5- عيون أخبار الرضا ، الشيخ الصدوق، ج 1، ص 197 ـ 198.
6- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 43، ص 331.
7-الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 499.

التربية الدينيّة للأطفال

التربية الدينيّة للأطفال
مقدّمة

يولد البشر على فطرة الدِّين والتوحيد، وقد أودِعت معرفة الله في أعماق وجودهم1. وعلى هذا الأساس، كلُّ الأطفال الذين تلدهم أمّهاتهم تختزن فطرتهم أصول الدّين الكُلِّيّة والأخلاق. وتساهم عمليّة التَّربية في تنمية الاستعدادات الفطريّة والطبيعيّة لديهم.

ووفقاً للتعاليم الدينيّة، فإنّ مرحلة الطُّفولة هي الزمان الأفضل لتربية الأبناء؛ لأنّ قلب الطِّفل كالأرض الخصبة مستعدٌّ لقبول أيّ نوعٍ من التربية.

فعن الإمام علي عليه السلام في وصيّته للحسن عليه السلام قال: "إنّما قلب الحدث كالأرض الخالية ما أُلقي فيها من شيء قبلته، فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك، ويشتغل لبّك..."2.

وتشمل مرحلة الطٌّفولة عادةً مرحلة الولادة وحتى عمر 12-13، وترتبط التربية الدينيّة للأطفال بنوعين من الرعاية:

الرعاية في مرحلة ما قبل الولادة

يوجد مجموعة من العوامل التي تؤثِّر في بناء شخصيّة الإنسان قبل الولادة؛ من قبيل التغذية، وحليب الأمّ، وروحيّة الوالدين، وأوضاع فترة الحمل، وانعقاد النطفة، وأمثالها.

وأهل المعرفة وأصحاب القِيَم يُراعون هذه المسائل ودقائق الأفعال؛ من أجل إنجاب نسل صالح.

ونحن نطالع في السيرة الذاتية للعديد من عظماء الدين أو شهداء الإسلام، ونسمع أنّ أمّهاتهم في فترتي الحمل والرضاعة، كنَّ دوماً مراعيات لحالاتهنّ الروحيّة؛ فكنَّ يرضعنهم وهنَّ على وضوء؛ ويتناولن الغذاء الحلال؛ ولا يشاركن في أيّ مجلس... فما تسمعه الأمّ في فترة الحمل أو أثناء الرضاعة (سواء أكان غناءً أم قرآناً)، أو ما تشاهده من أفلام أو صور، وطبيعة الجلسات التي تشارك فيها أو الأشخاص الّذين تعاشرهم؛ لها تأثير مهمّ في تكوين الشخصيّة المعنويّة للولد. وفي ما يلي نذكر بعض الأمور المهمّة التي ينبغي مراعاتها والعمل عليها في المرحلة التي تسبق الحمل وعملية الولادة، منها:

 اختيار الزوجة والزوج:

راعى الإسلام في تعليماته مسألة اختيار الزوجة من الجانبين الوراثي الذي انحدرت منه المرأة، والاجتماعي الذي عاشته ومدى انعكاسه على سلوكها وسيرتها. قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: "اختاروا لنطفكم؛ فإنّ الخال أحد الضجيعين"3.

فالرسول صلى الله عليه واله وسلم يؤكّد على اختيار الزوجة من الأُسَر التي تحمل الصفات النبيلة؛ لتأثير الوراثة على تكوين المرأة، وعلى تكوين الطفل الذي تلده، وكانت سيرته صلى الله عليه واله وسلم وسيرة أهل بيته قائمة على هذا الأساس كما لا يخفى. فحذّر من الزواج من الحسناء المترعرعة في منبت السوء، فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: "إياكم وخضراء الدمن. قيل: يا رسول الله وما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في منبت السوء"4.

وأكّدت الروايات على أن يكون التديّن مقياساً لاختيار الزوجة، وكان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يشجّع على ذلك، ويقدّم التديّن على الجمال والمال، عن الإمام أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: "من تزوّج امرأة لا يتزوّجها إلّا لجمالها؛ لم ير فيها ما يُحِب، ومن تزوّجها لمالها لا يتزوّجها إلّا له وكله الله إليه؛ فعليكم بذات الدين"5.

وللأب الدور الأكبر في تنشئة الأطفال وإعدادهم نفسيّاً وروحيّاً، ولذا أكّد الإسلام في أوّل المراحل على اختياره؛ طبقاً للموازين الإسلامية التي يُراعى فيها الوراثة والمحيط الذي ترعرع فيه، وما يتّصف به من صفات نبيلة وصالحة؛ لأنّه القدوة الذي يقتدي به الأطفال، وتنعكس صفاته وأخلاقه عليهم، إضافة إلى اكتساب الزوجة (الأمّ) بعض صفاته وأخلاقه من خلال المعايشة المستمرّة والمعاشرة. وقد أكد الإمام الصادق عليه السلام على اختيار الزوج الكفء، وعرّفه بقوله عليه السلام: "الكفء أن يكون عفيفاً، وعنده يسار"6. والكفء هو الذي ينحدر من سلالة صالحة وذو دين، وخُلق سامٍ.

وحذّر الإمام الصادق عليه السلام من تزويج الرجل المريض نفسياً، فقال: "تزّوجوا في الشكّاك ولا تزوّجوهم؛ لأنّ المرأة تأخذ من أدب زوجها ويقهرها على دينه"7.

بل جعل الإسلام التديّن مقياساً في اختيار الزوج، فعن الإمام علي عليه السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه. قلت: يا رسول الله، وإن كان دنيّاً في نسبه؟ قال: إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه، إلّا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير"8.

الدعاء والتضرّع:

في أوّل خطوات العلاقة والاتّصال بين الزوج والزوجة؛ وهي ليلة الزفاف، أمر الإسلام بالتقيُّد بالقيم الربّانيّة؛ لكي لا تكون العلاقة علاقة بهيميّة جسدية فقط، وأوّل هذه القيم هي استحباب الصلاة ركعتين لكلٍّ منهما، وحمد الله تعالى والثناء عليه والصلاة على رسول الله وآله، ثمّ الدعاء بإدامة الحبّ والودّ: "اللّهم ارزقني إلفها وودّها ورضاها بي، وأرضني بها، واجمع بيننا بأحسن اجتماع وأيسر ائتلاف، فإنّك تحبّ الحلال وتكره الحرام"9.

والالتزام بذلك يخلق جوّاً من الاطمئنان والاستقرار والهدوء في أوّل خطوات اللقاء، ولا يبقى لقلق الزوجة واضطرابها مجالاً؛ فتكون ليلة الزفاف ليلة أنس وحبّ وودّ.

ويستمرّ الدعاء عند الخطوة الثانية؛ وهي مرحلة المباشرة، فيستحب أن يضع يده على ناصيتها مستقبل القبلة، ويقول: "اللهمّ على كتابك تزوّجتها، وفي أمانتك أخذتها، وبكلماتك استحللت فرجها، فإن قضيت في رحمها شيئاً فاجعله مسلماً سوياً، ولا تجعله شرك شيطان"10، وأفضل الذكر في أوّل المباشرة: "بسم الله الرحمن الرحيم"11.

ومن المسائل الأخرى المهمّة جدّاً - والتي لها تأثيرٌ كبيرٌ في تربية الأطفال دينيّاً في مرحلة ما قبل الولادة - الدّعاء، والتضرُّع، وطلب الولد الصَّالح من الله. روي عن الإمام علي عليه السلام: "ما سألتُ ربّي أولاداً نُضُرَ الوجه، ولا سألتُه ولداً حسنَ القامة، ولكن سألتُ ربّي أولاداً مطيعين لله، وَجِلين منه، حتى إذا نظرتُ إليه وهو مطيعٌ لله قُرَّتْ عيني"12.

وعن الإمام السجّاد عليه السلام ـ أيضاً ـ في دعائه لولده، يطلب من الله أولاداً مؤمنين صالحين ومن أهل المعنويات، فيقول: "واجعلهم أبراراً أتقياء بُصَراء سامعين مطيعين لك ولأوليائك، محبّين مناصحين، ولجميع أعدائك معاندين ومُبغِضِين"13.

 مراعاة الضوابط والمستحبّات الشرعيّة للحمل:

من أجل ضمان سلامة الجنين الجسديّة والنفسيّة وضع الإسلام برنامجاً سهلاً يسيراً لا كلفة فيه ولا عسر ولا شدّة. فقد أوصى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بمنع الزوجة في أسبوعها الأوّل من (الألبان والخلّ والكزبرة والتفاح الحامض)؛ لتأثير هذه المواد على تأخّر الإنجاب، واضطرابه، وعسر الولادة، والإصابة ببعض الأمراض التي تؤثّر سلباً على الحمل وعلى الوليد14.

وقد أوصى أهل البيت بآداب للخلوة بالمرأة مطلقاً، وهي بين مستحبّ ومكروه. قال الإمام الخميني: يكره الجماع في ليلة خسوف القمر، ويوم كسوف الشمس، ويوم هبوب الرّيح السوداء والصفراء والزلزلة، وعند غروب الشمس حتى يذهب الشفق، وبعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وفي المحاق، وفي أوّل ليلة من كلّ شهر ما عدا شهر رمضان، وفي ليلة النصف من كلّ شهر، وليلة الأربعاء، وفي ليلتي الأضحى والفطر، ويستحبّ ليلة الاثنين والثلاثاء والخميس والجمعة ويوم الخميس عند الزوال، ويوم الجمعة بعد العصر، ويكره الجماع في السفر إذا لم يكن معه ماء يغتسل به، والجماع وهو عريان، وعقيب الاحتلام قبل الغسل. نعم لا بأس بأن يجامع مرّات من غير تخلّل الغسل بينها ويكون غسله أخيراً، لكن يستحبّ غسل الفرج والوضوء عند كلّ مرّة، وأن يجامع وعنده من ينظر إليه حتى الصبي والصبيّة، والجماع مستقبل القبلة ومستدبرها، وفي السفينة، والكلام عند الجماع بغير ذكر الله، والجماع وهو مختضب أو هي مختضبة، وعلى الامتلاء من الطعام، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "ثلاث يهدمن البدن وربّما قتلن، دخول الحمام على البطنة، والغشيان على الامتلاء، ونكاح العجائز". ويكره الجماع قائماً، وتحت السماء، وتحت الشجرة المثمرة، ويكره أن تكون خرقة الرجل والمرأة واحدة، بل يكون له خرقة ولها خرقة، ولا يمسحا بخرقة واحدة فتقع الشهوة على الشهوة، ففي الخبر: "إنّ ذلك يعقب بينهما العداوة"15.

 الاهتمام بغذاء المرأة الحامل:

من الحقائق الثابتة أنّ صحّة الجنين الجسديّة تتناسب طردياً مع صحّة الأمّ، ومن العوامل المؤثّرة في صحّة الأمّ؛ الغذاء. فالضعف الجسدي والأمراض الجسدية والتشوّهات في الخلقة يرجع قسم كبير منها إلى سوء التغذية، والعكس صحيح أيضاً. لذا أوصى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وأهل البيت عليه السلام بالاهتمام بغذاء الحامل، وخصوصاً الغذاء الذي له تأثير على الصفات النفسيّة والروحيّة للجنين. كالسفرجل ـ مثلاً ـ، حيث قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بشأنه: "كلوا السفرجل؛ فإنّه يجلو البصر، وينبت المودّة في القلب، وأطعموه حبالاكم فإنّه يحسّن أولادكم"16. واللبان ـ أيضاً ـ الذي ورد بشأنه الحديث عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: "أطعموا نساءكم الحوامل اللُّبان، فإنّه يزيد في عقل الصبي"17. وقال الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام: "أطعموا حبالاكم اللبان، فإن يكن في بطنهنَّ غلام خرج ذكي القلب عالماً شجاعاً، وإن يكن جارية حسن خَلقها وخُلقها، وعظمت عجيزتها، وحظيت عند زوجها"18. والتمر ـ أيضاً ـ، قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : "أطعموا المرأة في شهرها الذي تلد فيه التمر، فإنّ ولدها يكون حليماً نقياً"19، وغيرها...

وقد وضع أهل البيت عليهم السلام جدولاً متكاملاً في أنواع الأغذية المفيدة في صحّة الجسم، كما ورد في كتاب الأطعمة والأشربة من الكافي ومكارم الأخلاق؛ كالرمّان، والتين، والعنب، والزبيب، والبقول، والسلق، والفواكه الأخرى، وكذلك اللحم، والهريسة، والخضروات.

إضافة إلى منعهم من الغذاء المضرّ على الصحّة الجسديّة والنفسيّة، كالميتة،

والدم، ولحم الخنزير، والخمر، وكلّ ما ورد في القرآن الكريم والسنّة النبوية من الأطعمة والأشربة المحرّمة.

حسن التعامل مع المرأة الحامل:

حسن التعامل مع المرأة، وخصوصاً الحامل، يجعلها تعيش حياة سعيدة مليئة بالارتياح والاطمئنان والاستقرار النفسيّ والروحيّ، فلا يبقى للقلق والاضطراب النفسيّ موضعاً في قلبها وروحها.

قال الإمام زين العابدين عليه السلام: "وأمّا حقّ رعيّتك بملك النكاح، فأنْ تعلم أنّ الله جعلها سكناً ومستراحاً وأُنساً وواقية، وكذلك كلّ واحد منكما يجب أن يحمد الله على صاحبه، ويعلم أنّ ذلك نعمة منه عليه، ووجب أن يحسن صحبة نعمة الله ويكرمها ويرفق بها، فإنّ لها حقّ الرحمة والمؤانسة، وموضع السكون إليها قضاء اللذة"20.

وحسن التعامل يكون بالسيرة الحسنة معها، والرفق بها، وإسماعها الكلمات الجميلة، وإكرامها، ووضعها بالموضع اللائق بها، واعتبارها شريكة الحياة، وإشباع حاجاتها الماديّة والروحيّة، والتعامل معها بوصفها إنسانة أكرمها الإسلام، وإشاعة جوّ المنزل بالسرور والبشاشة والمودّة والرحمة، وإدخال الفرحة على قلبها، والحفاظ على أسرارها، إلى غير ذلك من التعاليم التي أكَّد عليها الإسلام. ومنها ـ أيضاً ـ مساعدتها في بعض شؤون البيت التي لا تستطيع إنجازها لوحدها، والصبر على بعض أخطائها ومساوئها التي لا تؤثّر على نهجها الإسلامي، والتفاهم في حلّ المشكلات اليوميّة بأسلوب لا يثير غضبها، وتجنّب كلّ ما يؤدّي إلى الإضرار بصحّتها النفسية؛ كالغيرة في غير مواضعها، والعبوس في وجهها أو ضربها، أو هجرها، أو التقصير في حقوقها. فإذا حَسُنَت المعاملة معها حسنت حالتها النفسيّة والروحية، وانعكس ذلك على الجنين بطبيعة الحال.

الرعاية في مرحلة ما بعد الولادة

وهي المرحلة التي تلي مرحلة الحمل مباشرة، وتشكّل أوّل محيط اجتماعيّ يحيط بالطفل؛ لأنّها الأساس في البناء الجسديّ والعقليّ والاجتماعيّ للطفل، ولها تأثيرها الحاسم في تكوين التوازن الانفعاليّ والنضوج العاطفيّ، ولذلك ركّز المنهج الإسلامي على إبداء عناية خاصّة بالطفل في هذهِ المرحلة، متمثّلة بالقيام بالأعمال التالية:

1 - رعاية الآداب والسنن الإسلاميّة:

فقد ورد في الإسلام آدابٌ وسننٌ لمرحلة ما بعد الولادة، والتي بمراعاتها يحصل الأثر الجيّد في تربية الطِّفل؛ دينياً وأخلاقياً، أهمّها:

* فرك فم المولود بماء الفرات والتربة الكربلائيّة: كما ورد في روايات أهل البيت عليهم السلام حيث روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "ما من أحد يشرب من ماء الفرات ويُحنَّك به إذا ولد إلّا أحبّنا لأنّ الفراتَ نهرٌ مؤمن"21.

* وعنه عليه السلام أيضاً أنّه قال: "حنّكوا أولادكم بتربة الحسين عليه السلام فإنّها أمان"22.

* الأذان والإقامة في أُذِن المولود: جاء عن الإمام الصادق عليه السلام: "من ولد له مولود فليؤذِّن في أذنه اليمنى بأذان الصلاة، وليُقِم في أذنه اليسرى، فإنّها عصمةٌ من الشّيطان الرّجيم"23.

* انتخابُ اسمٍ حسن للمولود: فالاسم الحسن له تأثيرٌ معتبرٌ على شخصيّة الطِّفل. وقد اعتُبر في الروايات الإسلاميّة أنّ تسمية الولد باسمٍ حسنٍ من جملة حقوقه على والديه. قيل للإمام الصادق عليه السلام: "جُعلت فداك إنَّا نسمّي بأسمائِكم وأسماء آبائِكم فينفعنا ذلك؟ فقال إي والله وهل الدين إلا الحبّ"24.

* الختان: يجب ختان الذكور، ويستحبّ أن يختن الذكر في اليوم السابع. قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام: "اختنوا أولادكم لسبعة أيام؛ فإنّه أطهر وأسرع لنبات اللحم، وإنّ الأرض لتكره بول الأغلف"25.

* العقيقة وحلق الرأس: من مراسيم الولادة العقيقة وهي ذبح شاة في المناسبة، وحلق رأس الطفل، كما جاء في قول الإمام جعفر الصادق عليه السلام : "عق عنه، واحلق رأسه يوم السابع، وتصدّق بوزن شعره فضّة، وأقطع العقيقة جذاوى، واطبخها، وادع عليها رهطاً من المسلمين"26. فالعقيقة مصداق للصدقة تمنع من البلاء، وتقي الطفل من المخاطر، ولعلّ فيها آثاراً نفسيّة حسنة للطفل حينما يترعرع ويفهم أنّ والديه قد اعتنوا به في ولادته، وهي ذكرى حسنة عند من وصلته تلك العقيقة أو بعضها.

* اختيار مرضعةٍ صالحةٍ لإرضاع المولود: حليب الأمّ أفضل غذاء للطفل من الناحية العلميّة، إضافة إلى أنَّ عمليّة الرضاعة يشعر الطفل من خلالها بالأمان والطمأنينة والرعاية. قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام: "ما من لبن يرضع به الصبي أعظم بركة عليه من لبن أمّه"27. وفي الحالات الاستثنائيّة التي تعيق عمليّة الرضاعة؛ بسبب قلّة حليب الأمّ، أو مرضها، أو فقدانها؛ بطلاق أو موت، أكّد أهل البيت عليهم السلام على اختيار المرضعة المناسبة والملائمة ضمن مواصفات معيّنة، قال أمير المؤمنين عليه السلام: "انظروا من ترضع أولادكم، فإنّ الولد يشبُّ عليه"28. فالحليب ونوعيّة المرضعة يؤثّر على الطفل؛ من ناحية نموه الجسديّ والنفسيّ. وقد أثبتت التجارب صحّة تعاليم أهل البيت عليهم السلام في هذا المجال. وهنالك مواصفات عند المرضعة حبّذها أهل البيت عليهم السلام في الاختيار.

قال الإمام محمد الباقر عليه السلام: "استرضع لولدك بلبن الحسان، وإيّاك والقباح، فإنّ اللبن قد يعدي"29.

2 - تحقيق الأنس والاعتياد قبل سنّ التكليف:

على الأهل أن يحقِّقوا حالة من الأنس لدى الأطفال؛ بالعبادات، والسلوكيّات الدينيّة. فمشاهدة الآداب الدينيّة والعبادات، وخاصّة الصَّلاة التي يؤدّيها الوالدان والإخوة الأكبر سنّاً بنحوٍ جدِّي ومنتظم يوميّاً في الليل والنهار، تنتقش في ذهن الطِّفل وروحه، وتُظهر لديه نوعاً من الأُنس الروحي بهذه الأعمال والآداب.

لذلك، عادة ما نرى أنّ الطِّفل من عمر السنة الثانية يُقلِّد حركات أمّه وأبيه في حال الصّلاة، ويُردِّد بعض الكلمات والأذكار بنحوٍ متقطّع. وإذا ترافقت حركات الطِّفل هذه مع ملاطفة الوالدين وترغيبهم؛ تزداد رغبته، وتنتقش ذكرى جميلةٌ عنها في ذهنه وروحه. إنّ هذا التأثّر الروحيّ والخواطر الجميلة لها تأثيرها الكبير على مستقبل الولد وتوجُّهاته اللاحقة. فهذه الفرص فرصٌ ثمينةٌ لناحية إيجاد الاستعداد الروحيّ في كيان الطِّفل بهدف تفتُّح الإيمان، ولذا يجب اغتنامها. والوالدان اللذان يُقرّان بأهمّيّة التربية الدينيّة لأبنائهم، لا ينبغي لهما أبداً أن يُضيِّعا هذه الفرصة.

3 - التعرُّف تدريجيّاً على المسائل الدينيّة:

ينبغي للأطفال أن يتعرَّفوا على المسائل الدينيّة تدريجيّاً وبهدوء. يقول الإمام الصادق عليه السلام في هذا المجال: "إذا بَلَغ الغُلام ثلاثَ سِنين يُقال لَهُ سَبعَ مرّات قُل لا إله إلا الله، ثمّ يُترك حتّى يتمَُّ له ثلاثُ سنين وسبعةُ أشهر وعشرون يوماً، فيقال له: قُلْ محمدٌ رسولُ الله صلى الله عليه واله وسلم سبعَ مرّات، ويُترك حتّى يتمَّ له أربعُ سنين، ثمَّ يقالُ لهُ سبعَ مرات: قُل صلَّى الله على محمدٍ وآلِ محمدٍ، ثمَّ يُترك حتّى يتُمَّ له خمسُ سنين ثمَّ يُقالُ له: أيُّهما يمينُك وأيُّهما شِمالُك؛ فإذا عَرَف ذلك حُوِّل وجهُه إلى القِبلة ويُقالَ لهُ اسجُدْ، ثمَّ يُتركُ حتَّى يتمّ له سِتُّ سِنين، فإذا تمَّ له سِت سنين صلَّى، وعُلِّم الرُّكوع والسُّجود، حتّى يتمَّ لهُ سبعُ سنينَ، فإذا تمَّ لهُ سبعُ سنين قيلَ له اغسُلْ وَجْهكَ وكفَّيكَ، فإذا غَسَلَهُما قيلَ له: صلِّ ثمَّ يُترك حتّى يتُمَّ له تِسعٌ، فإذا تمَّتْ له؛ عُلِّم الوُضوء وضُرِب عليه، وعُلِّم الصَّلاة وضُرِب عليها، فإذا تعلَّم الوُضوء والصَّلاة غَفَر الله لوالديه"30.

من الواضح أنّ هذه التوصيات العمليّة خاصّة بالفِتيان، وإلا فالفتيات اللواتي يصلن إلى سنّ التكليف قبل ذلك، ينبغي أن يتعلَّمن الصلاة قبل بلوغهنّ تِسع سنوات؛ حتى يكون بمقدورهنّ المداومة عليها. فعندما يبلغن سنّ التكليف، لا يكون أداء فريضة الصّلاة صعباً عليهنّ.

إنّ سَوْق الأولاد للقيام بهذه التكاليف ينبغي أن يرافقه لطفٌ ومحبةٌ وترغيب، وأن لا يُطلب منهم تكاليف شاقّة وصعبة، لكن في المقابل، لا بدّ أن يتعاطى الوالدان بجدّيّة؛ حتى لا يظنّ الولد أنّ التكاليف الدينيّة ليست أموراً جدّيّة أو ضروريّة. فالمطلوب هو أن يجمعا بين هاتين الجَنبتين اللتين هما في الظاهر متضادَّتان، أي يكونا في الوقت ذاته جدّيّين وعطوفين ومحبّين حتى يتمكّنا من دفع الطِّفل للقيام بالفرائض الدينيّة.

وبالنسبة لفريضة الصيام ـ أيضاً ـ يُتَّبع الخطوات نفسها، حيث من الأفضل أن يتعرّف الولد قبل بلوغه سنّ التكليف تدريجياً على فريضة الصوم، فيُهيىء نفسه للالتزام بها بعد سنّ التكليف. ومن المفيد اتّباع بعض الاجراءات لترغيب الأولاد بالصيام؛ من قبيل إيقاظهم لأجل تناول طعام السحور ومنحهم الجوائز. ولقد أثبتت التجربة أنّ الأولاد ـ عادةً ـ يستمتعون بهذه البرامج، ويُقبلون عليها برغبة.

4 - الاهتمام بالمشاعر الدينيّة وتنميتها:

إضافةً إلى ضرورة تعريف الأبناء على المسائل الدينيّة وتعلُّم الأحكام الإسلاميّة، ينبغي للوالدين أن يُخطِّطوا أيضاً لتنمية مشاعر أبنائهم الدينيّة؛ من خلال إيجاد جوٍّ معنويّ ودينيّ في محيط الأسرة. فالمنزل إذا كان مفعماً بالقيم المعنويّة، وبالتزام الأب والأمّ بالقيّم الإلهيّة والتكاليف الدينيّة وبتنويرهما فضاء البيت بتلاوة القرآن والذّكر والمناجاة؛ فإنّ الأطفال سيتأثّرون تلقائيّاً عند مشاهدة هذه الأجواء المعنويّة، وتنمو الميول الدينيّة لديهم بنحوٍ طبيعيّ.

كما أنّ تشجيع الأطفال وحضّهم على المشاركة في المجالس والمراسم الدينية تُعدُّ من المسائل المفيدة جدّاً؛ لتنمية مشاعرهم الدينيّة، لكن مع مراعاة أن لا يفوق هذا النوع من البرامج طاقة الأبناء وقدرة تحمّلهم، وأن لا يجهدهم.

* التربية الأسرية، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.

1- انظر، بحار الأنوار، ج3، ص281.
2- م.ن، ج1، ص223.
3- الكافي، ج5، ص332.
4- وسائل الشيعة، ج20، ص35.
5- وسائل الشيعة، ج20، ص50.
6- الكافي، ج5، ص347.
7- م.ن، ص348.
8- وسائل الشيعة، ج20، ص78.
9- وسائل الشيعة، ج20، ص116.
10- م. ن، ص113.
11- من لا يحضره الفقيه، ج3، ص405.
12- بحار الأنوار، ج 101، ص 98.
13- الصحيفة السجادية، الدعاء 25.
14- راجع مكارم الأخلاق، ص209.
15- تحرير الوسيلة، ج2، ص240.
16- مكارم الأخلاق، ص172.
17- بحار الأنوار، ج59، ص294.
18- م.ن، ج63، ص444.
19- م.ن، ص141.
20- بحار الأنوار، ج71، ص14.
21- بحار الأنوار، ج 97 ص230
22- م.ن، ج 98 ص 136. التحنيك بتربة الحسين، أو بماء الفرات: إدخال ذلك إلى حنكه وهو أعلى الفم.
23- وسائل الشيعة، ج 21، 406.
24- بحار الأنوار، ج101، ص 130.
25- الكافي، ج6، ص34.
26- م.ن، ص34.
27- م.ن، ص40.
28- م.ن، ص44.
29- وسائل الشيعة، ج15، ص185.
30- وسائل الشيعة، ج 21، ص 474.

كيف نثبت أنّ القرآن معجزة خالدة؟

كيف نثبت أنّ القرآن معجزة خالدة؟
((الإعجاز في القرآن))
الإعجاز العلمي

قبل عرض الآيات القرآنيّة الدالّة على إعجاز القرآن الكريم، لا بدّ من الإلفات إلى أنّ القضايا العلميّة المطروحة هي على نحوين: قوانين ونظريات.

أمّا القوانين، فهي المعادلات القطعيّة الثابتة التي لا يمكن أن يطرأ عليها أيّ تغيير، أمّا النظريّات، فهي معادلات قائمة على أسس موضوعيّة، إلاّ أنّها قابلة للتغيير والتبديل.

بناءً على ما تقدّم، فإنّه لا يصحّ أن تفسّر الآيات القرآنية بالنظريّات المطروحة، فإنّه بالإضافة إلى الخطأ المنهجيّ في ذلك، فهو قد يؤدّي إلى تزعزع الثقة بالقرآن الكريم حينما تُبدّل النظرية.

وعليه، فالإعجاز العلمي للآيات القرآنيّة يجب أن يقتصر على القوانين الثابتة، وهذا ما نتعرّض له في العناوين الآتية:
1- نشوء الكون
قال الله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾1.
إنّ هذه الآية واضحة في أنّ أصل الكون كان كتلة واحدة ملتحمة، وهو معنى الرتق، ثم أحدث الله تعالى فيها فصلاً، وهو معنى الفتق، وقد ثبتت هذه الأطروحة علميًّا عام 1945.

2- استمرار اتساع الكون
قال الله تعالى: ﴿وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾2.
أثبت العلم الحديث أنّ مجرّات الكواكب ما زالت تتباعد عن بعضها البعض في الفضاء الرحب، وكأنّ الكواكب تقع على سطح بالون مطاطيّ ينتفخ باستمرار، وكلّما انتفخ تباعدت الأجرام عن بعضها البعض، ولكنّها تبقى متساوية البعد عن نقطة المركز (الوهمية).

3- قانون الجاذبية
قال الله تعالى: ﴿اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾3.
ورد عن الإمام الرضا عليه السلام أنّه سئل عن معنى الآية فأجاب: ﴿ثَمَّ عمد ولكن لا ترونها﴾4.
وهذا ما اكتشفه العالم الإنكليزي نيوتن عام 1927 من قانون الجاذبية العامّة.

4- حركة الأرض
قال الله تعالى: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا﴾5.
تشير هذه الآية إلى ما ثبت علميًّا من حركة للأرض شبيهة بحركة المهد الذي يصنع للطفل الصغير، فيهزّ بنعومة, لينام فيه مستريحًا هادئًا.

5- كرويّة الأرض
قال تعالى: ﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا﴾6.
وقال تعالى: ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ﴾7.

وقال تعالى: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ﴾8.
في هذه الآيات دلالة على تعدّد مطالع الشمس ومغاربها، بحيث يلازم طلوعُ الشمس على أيّ جزءٍ من أجزاء الأرض غروبها عن جزء آخر، وهذا ينسجم مع ما ثبت علميًّا، بل عيانًا من كرويّة الأرض.

6- دور الجبال
قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا﴾9.
الأوتاد جمع وتد، وهو ما له امتداد في عمق الأرض، كالوتد الذي تنصب عليه الخيمة، بحيث يُغرز قسم منه داخل الأرض.

وقد ثبت علميًّا أنّ الجبال لا تقتصر على ما يظهر على وجه الأرض، بل لها امتداد عميق داخلها، وذلك لأمرين:
الأوّل: حفظ الجبل من الانزلاق والسقوط.
الثاني: إمساك طبقات الأرض, بحيث يمنعها من الاضطراب والمَيَدان، وهذا مؤدّى قوله تعالى: ﴿وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ﴾10.

7- نقص الأوكسجين في السماء
قال الله تعالى: ﴿فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء﴾11.
تشير هذه الآية إلى ما أثبته العلم الحديث من أنّ الأوكسجين ينقص كلّما صعدنا نحو الأعلى، فعلى ارتفاع 3،5 ميلاً تصبح نسبة الأوكسجين في الهواء نصف ما هي عليه عند سطح الأرض, ممّا يسبّب شعور الإنسان الصاعد، بنحو ذلك العلوّ، بضيق الصدر نتيجة نقص الأوكسجين، وهبوط الضغط الجوّي، فيصعب التنفّس، وقد تنفجر الحويصلات الدمويّة الموجودة في الرئتين، ممّا يؤدّي إلى الموت.

8- تلقيح الرياح
قال الله تعالى: ﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ﴾12.
وهي تشير إلى ما اكتشفه علماء النبات من حاجة إنتاج الشجر والنبات إلى اللقاح، وأنّ للرياح دورًا في تلقيحها.

9- البرزخ بين البحرين
قال تعالى: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ﴾13.
وفيه إشارة إلى أنّ الماء المالح في البحر يلتقي بالماء العَذب، كما في بعض الينابيع البحريّة، ومع ذلك يظلّ الماء المالح بمعزل عن الماء العَذب بدون أن يختلط به، مما يسمح للبحّارة بأن يتزوّدوا من الماء العَذب في الأمكنة المحدّدة التي يعرفونها.

نقل أنَّ العالم الطبيعي الفرنسي "ميشيل كوستو" لاحظ أثناء دراسته في البحار هذه الظاهرة، من دون أن يتعرّف على تعليل لها، وصادف أن سمع من إحدى الإذاعات الآية السابقة، فانجذب إلى إيقاعها العذب، من دون أن يفهم معناها، فسأل عنها، وحينما ذكروا له معنى الآية سجد لله، وأعلن إسلامه14.

10- زوجية الموجودات
قال تعالى: ﴿وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾15.
إنّ الآية تشير إلى أنّ الأزواج تشمل حتى الأشياء الجامدة التي ليس فيها حياة، وهذا يتواءم مع اكتشاف الجزيئات التي تتكوّن منها الذرّة، والتي بعضها موجب وهو البروتونات، وبعضها سالب وهو الإلكترونات، إضافة إلى جسيمات محايدة لا تحمل شحنات كهربائية تسمّى نيوترونات.

11- بصمات الإنسان
قال تعالى: ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ﴾16.
اكتشف العلم أنّ بصمات الإنسان في بنانه من أعقد ما فيه، وهذا ما نتج عنه اتخاذها أداة للكشف عن هويّة الأشخاص، والتمييز بينهم.

12- حديث النمل وجسمها
قال تعالى في حكايته عن قصة مرور النبي سليمان عليه السلام وجيشه على وادي النمل: ﴿حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾17.

ففي هذه الآية أمران مدهشان:
الأوّل: أنّ العلم الحديث، وبعد تجارب عديدة، أثبت أنّ للنمل لغةً خاصةً يتحدّثون، بها مع بعضهم البعض.
الثاني: أنّ الله تعالى قال ﴿لَا يَحْطِمَنَّكُمْ﴾، والتحطيم يتناسب مع الجسم الزجاجي أو الشبيه به، وهذا ما أثبته العلم أيضًا, بكون جسم النملة شبيهًا بالزجاج، بحيث إنّ المرور عليه يؤدّي إلى تحطيمه.

* كتاب يسألونك عن الأنبياء، سماحة الشيخ أكرم بركات.

1- سورة الأنبياء، الآية 30.
2- سورة الذاريات، الآية 47.
3- سورة الرعد، الآية 2.
4- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، تحقيق محمد تقي المصباح اليزدي ومحمد الباقر البهبودي، ط3، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1983، ج57، ص79.
5- سورة طه، الآية 53.
6- سورة الأعراف، الآية 137.
7- سورة الصافات، الآية 5.
8- سورة المعارج، الآية 40.
9- سورة النبأ، الآيتان 6-7.
10- سورة لقمان، الآية 10.
11- سورة الأنعام، الآية 125.
12- سورة الحجر، الآية 22.
13- سورة الرحمن، الآيتان 19-20.
14- بيضون، لبيب، الإعجاز العلمي في القرآن، ص 166-167.
15- سورة الذاريات، الآية 49.
16- سورة القيامة، الآيتان 3-4.
17- سورة النمل، الآية 18..

أهل البيت لغة وعرفاً

أهل البيت لغة وعرفاً هذا اللفظ مركب من كلمتين ولكل مفهوم، ويمكن تحديد مفهوم "الاَهل" من موارد استعماله فيقال: 1- أهل الاَمر وا...